تزييف الوعي إلكترونيًا

تزييف الوعي إلكترونيًا
4٬617 مشاهدة

لا تزال ماكينة صُنع الشائعات والتحريض واغتيال الشخصية مُستمرّة في عملها على أتمّ وجه، اعتقد أن اللجان الإلكترونية التي تعمل لصالح شبكات التواصل الاجتماعي تعمل على قدم وساق لتزييف الوعي المُجتمعي، وتوجيه الرأي العام نحو أهداف مُحدّدة بدقّة، كيف لا “والحشرات الإلكترونية” ومن ضمنها الذباب الإلكتروني هي من تتصدّر المشهد، إمّا لأجندات شخصية بحتة، وربما لإلهاء العقول بِ (لهّاية) الإشاعات المُغرضة.

ونظرًا لشحّ المعلومة من الجهات الرسمية وتضاربها أحيانًا، فتصبح الأرض خصبة جدًا لذلك (الجراد الإلكتروني) ليأكل الأخضر واليابس، ثم يقع المواطن فريسة لِكُلّ ممّا هبّ ودبّ ومن كُلّ حدب وصوب، ليحشوا دماغه بالوعي الزائف، الأمر الذي يجعل الوطن مرتعًا “للإرهاب الإلكتروني” من كُلّ بقاع الأرض، فأمست النفوس (حبلى) بالمخاوف والتشاؤم، ممّا ولّد صورة سوداوية جدًا لمولود بمُستقبل مجهول للغاية..

الوطن اليوم غير وطن الأمس، فما زال صامدًا داخليًا وخارجيًا رغم وجوده بين أقطاب مُلتهبة، وندعو الله ثم العقلاء الحفاظ على هذا الصمود التاريخي، ولن تفلح حالة “تزييف الوعي” التي يتم تشكيلها سواء على الشاشات أو على المنصّات حول حقيقة الوضع الداخلي إلاّ إذا سمحنا نحن بذلك، وعي المواطن الحقيقي لا الزائف هو من ينقذ الوطن من براثن السقوط، ويعبر بنا نحو “الأمن والأمان” الحقيقي لا “الكرتوني” الهشّ..

برز الحديث عن موضوع الوعي والزائف مِنه على وجه الخصوص بشكل جليّ في فِكر كُلّ من “ماركس وإنجلز”، وأشار إنجلز إلى ذلك في ردّه على رسالة وُجّهت له من المُفكّر الاشتراكي الألماني “فرانز مهرنج” وهو من كبار أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي خلال الثورة الألمانية عام ١٩١٨، سأله فيها عن مفهوم (الإيديولوجيا)، فأجابه إنجلز “الإيديولوجيا عملية يقوم بها مَن يوصف بالمُفكّر، ولكن من خلال وعي زائف، والقوى الحقيقية التي تُحرّكه تبقى مجهولة بالنسبة له، ولو لم تكن كذلك، لِما أصبحت العملية إيديولوجية”..

اعتقد لو عاش أولئك المُفكّرون إلى عصرنا هذا في ظِل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي، لماتوا قهرًا على “السرعة” العجيبة التي تتم فيها حالة تزييف الوعي، حيث كان سابقًا يحتاج لوقت أطول مُقارنة بالوقت الحالي، هذا الوقت الذي لا يحتاج اليوم من (المؤثرين/ات) سوى كبسة زر اللايف أو الإدراج، فتحوّلت (الإيديولوجيا) حاليًا إلى “صورلوجيا وأخبارلوجيا” مُفبركة ومُتضاربة هدفها “الإلهاء”، ومعيار نجاحها عدد اللايكات والمُتابعين والمُشاهدات..

الوعي الزائف الذي يشهده المواطنون حاليًا لا يُعبّر سوى عن أفكار هدّامة لا تتواءم أبدًا مع قيّم المُجتمع، ونتيجته لن تتعدّى تهديد الأمن الوطني وزعزعة الاستقرار الداخلي، ألا يكفينا ما فينا من هموم شخصية ووطنية وغلاء وفقر وبطالة لتزيدوا علينا أيضًا حالة الرعب ممّا هو قادم بسبب ضبابية المشهد؟؟!! هل حالة الذهول والدهشة التي يعيشها المواطنون حاليًا تحفظ لكم مناصبكم وأموالكم؟!

ليس وعي المواطنين هو ما يُحدّد وجودهم اليوم، وإنّما وجودهم الافتراضي “الإلكتروني” هو الذي يُحدّد وعيهم وإن كان زائفًا للأسف الشديد، فالأفكار السائدة عبر وسائط التواصل الاجتماعي جميعها هي أفكار القوى المُتصارعة وحيتان الفساد على حساب الوطن ومواطنيه..

العلاقة بين (الوعي) والقراءة وغزارة المعرفة هي علاقة طردية، فكيف من المُمكن لأمّة إقرأ التي لا تقرأ أن يزيد وعيها ولا يتعدّى مجال قراءتها أكثر من البوستات والتغريدات؟؟ هل يحقّ لنا اليوم استهجان تزييف الوعي بعد هجر الكُتب والقراءة أو التحقّق من صحّة المعلومة في أقل تقدير؟؟ هل ما زلنا نستغرب بروز حواضن الإرهاب والقتل والتدمير واغتيال الشخصية وترويج الإشاعات وتزوير الحقائق إن كان الوعي لدى هؤلاء قد تشكّل إلكترونيًا وتم تزييفه بأن سلوكهم هذا من أجل الوطن وفداءً له؟؟

أختِم مقالي بسؤال أخير مشروع جدًا، مَن يملك الوعي الحقيقي اليوم؟؟ قد تكون إجابته صعبة، ولكن مُجرّد المحاولة لإيجاد الإجابة بحدّ ذاتها هي بداية الوعي، وفي تلك اللحظة؛ “لحظة التمرّد” على الوعي الزائف في الواقع أم في المواقع، لا فرق، سيتحرّر المواطن ووطنه من البؤس والشقاء..

وعلى رأي الشاعر العراقي العظيم (معروف الرصافي): “كان لي وطن أبكي لنكبته، واليوم لا وطن لي ولا سكن، ولا أرى في بلاد كنت أسكنها إلاّ حثالة ناس قاءها الزمن”..

وهيك بنقدر نقول وزّعوا بوستات وإلهونا، ونُطالب كذلك بمنصّة جديدة عنوانها #حقّك تتأدلج..

وحتى ذلك الحين سيبقى لنا من هذا الحديث بقية… دمتم…

دة. عصمت حوسو

رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية والاجتماعية والتدريب

Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found

One thought on “تزييف الوعي إلكترونيًا

  1. Fathy Elhefny says:

    ومن المسؤل حاليا عن
    تزيف الوعى
    المثقفون ضمير الامة
    والامة الان بلا ضمير
    الا من رهم ربى
    امة اقرأ
    لا تقرأ
    سؤال بريئ
    متى يعود الوعى الغائب
    الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة
    هى المنقذ
    حفظ الله مصر

اترك تعليقاً

Don`t copy text!