متلازمة جبل وغِمار

متلازمة جبل وغِمار
13٬811 مشاهدة

على الرغم أن أعراض تلك (المُتلازمة) ظهرت على كثير من الناس ومن الجنسين منذ بداية الشهر الفضيل، ولكن، انتظرنا حتى النهاية لنخرج لكم بمشاهداتنا للآثار الوخيمة التي عانى مِنها مُتابعي ومُتابعات جبل شيخ الجبل في مُسلسل (الهيبة) وغِمار الغانم في مُسلسل (خمسة ونص)، وعلى مقدار الرجولة والشهامة التي أظهرها جبل من “هيبة”، لكنّ غِمار فاقه بالعكس؛ من فساد ونذالة وسقاطة هو وصديق عُمره (الخائن) جاد..
وحتى يسهل علينا تقديم مُشاهداتنا وما فعلته المُسلسلات الرمضانية بشكل عام، وهذان المُسلسلان بشكل خاص، بالمُجتمع وأثرها على كِلا الجنسين ومن جميع الفئات العُمرية، لا بدّ لنا من رصد أبرز المشاهد المُتشابهة في “الفِكرة” في المُسلسلين.

نبدأ أولًا بوسامة الرجلان وجمال الامرأتان اللتان أحبّاهما، فوسامة ورومانسية “غِمار” ورجولة “جبل” بهرت النساء، وجمال زوجتيهما (ندين نجيم بدور الدكتورة بيان، وسيرين عبد النور بدور المذيعة نور رحمة)، كِلاهما أبهرتا الرجال كبارًا وصغارًا على حدّ سواء، كما أبهرتا “المُراهقين” أيضًا.
أمّا كمية الحُبّ والاهتمام التي قدّمها كُلّ من جبل وغِمار لزوجتيهما ضربت على وتر “عُقدة النقص” من العاطفة التي تُعاني منها الفتيات والزوجات العربيات، وللأسف عددٌ كبير من مُراجِعاتي النساء – إن لم تكن الأغلبية – قد انتكسن منذ بداية متابعتهن للمُسلسلين، ومنهنّ مَن تراجعن إلى أن ساءت حالتهن لدرجة الزيادة في جرعة الدواء من قِبل الطبيب المُشرف على حالتهن، وزادت معها جلسات العلاج الفِكري السلوكي كذلك، حتى يعُدن إلى صوابهن مرة أُخرى، وتوازنهنّ النفسي والاجتماعي، والتكيّف مع الواقع لا مع خيال المُسلسلات على الشاشات.
هذا على مستوى صحي، أمّا على مستوى زوجي وأُسري فقد زادت المشاكل بين الجنسين في شهر رمضان الكريم ومُسلسلاته بشكل مثير للاهتمام، يستدعي من المُختصّين/ات إجراء دراسة لرصد الأسباب ووضع الحلول بشكل جدّي لا يحتمل الهزل والإهمال ولا دفن الرؤوس في الرمال.

ونأتي الآن إلى حجم التقليد و مرض “تقمّص الشخصية” من قِبل الرجال لشخصية (جبل) تحديدًا، بِكُلّ ما يقوم به باستثناء (الرجولة)، وتقليد (غِمار) وهو في حالات العُنف مع زوجته فقط، وفي خيانته لزوجته ولوطنه لا في رومانسيته، والتي أيضًا كانت مُلفتة للنظر بتشابه وتكرار الشكاوي نفسها التي سمعتها من قِبل الزوجات والخاطبات، وحتى من اللواتي في مرحلة التعارف العاطفية، جميع هذه الشكاوي في هذا الشهر بشكل خاص.

ثم نتساءل هنا على كمّ الإصرار في كثيرٍ من المشاهد على تثبيت فِكرة لدى الأغلبية من الجنسين ومن جميع الأعمار أن “البقاء للأقوى وللفاسد”، وأن السُلطة يتم توريثها (خاوة)، وأن التزاوج بين المال والسُلطة يسحق الفقراء والأغلبية، كما هو حال العرب اليوم، فجميعهم مسحوقين، أضف إلى ذلك فضح طريقة توظيف السُلطة للمصالح الشخصية، وهذا ما يحدث فعليًا اليوم، فأثارت تلك المشاهد مشاعر الشعوب العربية بتثبيت مقولة (إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب)، وإعادة مفهوم (الرجل الأبضاي) الذي يأخذ حقوق المظلومين بقوته وسلاحه، والحكومة تفعل العكس، ودورها ضعيف جدًا أمام هذا النموذج من الأبضايات، وأمام الفاسدين أيضًا. تلك المشاهد شحنت الرغبة لدى كثير من الشباب باقتناء السلاح وتقليد جبل شيخ الجبل، لأن الأخير حكّ جلد المسحوقين والمطحونين على جَرَب، فتقمّصوا شخصيته بسهولة وسُرعة فائقة، بمظهره ولُغته ومصطلحاته وسلوكه، والأخطر تقليده في تحدّيه للسُلطة.

وهناك بعض (الأوليجاركيين) الذين عكسوا شخصية غِمار الغانم منذ زمنٍ طويل، وجاءت المشاهد في هذه المُسلسلات لتفضح تفاصيل ذلك التزاوج بين رأس المال والسُلطة، على مستوى شخصي ووطني في ذات الوقت، ومظاهر الصورة الاجتماعية (المرسومة) بعناية أمام الناس والتي يُجاهدون للحفاظ عليها، وإن كان جوهرها “مُزيّف” ومُغاير للحقيقة، وحتى لو كانت مرسومة بألوانٍ باهتة وغير مُتناغمة.

وبالنسبة لشخصية الدكتورة بيان زوجة غِمار الغانم، هناك نماذج كثيرة من النساء العربيات مِثلها، فدغدغت مشاعر الأكثرية مِنهن لِما تُعانيه المرأة العربية من غيرة الزوج مِنها وعليها في ذات الوقت، والمُعيقات التي تواجه المرأة الناجحة باستمرار إن لم يكتمل نجاحها بوجود رجل قويّ في حياتها لحمايتها في هذا المُجتمع الذكوري، حتى لو كان صوريًا فقط، يعني مِثل (باب الحماية الحديد حتى لو مصدّي)؛ لأن التآمر عليها وسهولة اغتيال شخصيتها المهنية والسياسية وحتى الشخصية يسحقها مُجتمعيًا، ويمحق تاريخها وإنجازاتها، إن غاب وجود الرجل أو دعمه في حياتها، هذا هو الواقع للأسف الشديد.
صورة نمطية تم تثبيتها بجدارة، خصوصًا عندما ظهرت الدكتورة بيان “الزوجة” التي تتحدّى زوجها لأنّها مُتعلّمة وسياسية وأصبحت شخصية عامّة، ولا تقبل بالذلّ والظُلم والهوان، فأفقدها منصبها وشهرتها وتحدّيها لزوجها حُبّه ورومانسيته، ممّا أثار لديه (الحقد الذكوري)، فأنهى إخلاصه لها ومُقاومته الشديدة لعشيقته السابقة في البداية، وقاده تحدّي زوجته وغرورها في التعامل معه إلى وضع عشيقته معها بذات المستوى، بأن حوّل علاقته بها إلى زوجة مِثلها، ولكنّها زوجة سرّية، كُلّ ذلك وأكثر ليُهين أنوثتها وينتقم لذكورته التي (خصتها) الدكتورة بيان، زوجته، من وجهة نظره. ولم يكتفِ بذلك فقط؛ وإنّما حاول التضييق عليها بكافّة الطرق لتعود لصوابها ودورها التقليدي الذي يُحبّ، كزوجة وأُم لأطفاله، حتى يُعيد له كرامته المهدورة، ويعيد لها حُبّه واهتمامه المنقوص، أمّا المرأة “العشيقة” فهي دومًا الخاسرة ومَن تدفع الثمن، وغالبًا ما يكون باهظًا جدًا..

وبين الزوج الخائن والزوجة الخائنة ضاعت القيّم وتعرّى الواقع وانفضح، فمشاهد الزوجة التي اضطرّتها قسوة زوجها وبُعده عنها للضعف أمام الإغراء العاطفي الذي ضرب على وتر حاجتها الأنثوية، أثارت بسلوكها في الحلقات الأخيرة (فِكرة التبرير) للكثيرات اللواتي فعلن مِثلها، وربما الشعور بالراحة بأنّه يستحق ما تفعله به وانتقامها مِنه سواء بسبب تقصيره أو خيانته، ومنحت تلك المشاهد للنساء في أوضاعٍ مُشابهة فِكرة (تجميل الخيانة)؛ بأن جميع النساء تفعل ذلك في أوضاع مُشابهة، وهذا الأمر منحهنّ تعاطف مع أنفسهن ومع غيرهن بتبرير الخيانة، انطلاقًا من أن الطبيعة البشرية تشعر بالأمان أمام تشابه الحالة في السلوك الجمعي، وما أكثر تلك الحالات حاليًا. وهنا أقول لِمَن يتّهم الدراما الحالية بأنّها هي مَن أفسدت الواقع، اصحَ من جهلك للواقع وتنكّرك له، فهذه الدراما عرّت الواقع تمامًا وفضحته فقط، ولم تخلقه، وما يحدث به أسوأ وأكثر ظُلمة ممّا نشاهده في الأعمال الدرامية على الشاشات..

أما بالنسبة لِ “جاد”، ذلك الشاب الوسيم والصديق الصدوق (ظاهريًا) لغِمار، والعدو الخفي له في ذات الوقت، يشبه تمامًا الشابة “يارا” الصديقة الماكرة لابنة خالتها الدكتورة بيان، التي توهمها بالحُبّ والولاء، وتطعنها في ظهرها من مسافة قصيرة جدًا، وتُقلّدها بشراسة بمحاولة بائسة منها في تقمّص شخصيتها، وما أكثرهن في الواقع، والدراما هنا مرة أُخرى فضحت تلك النماذج فقط.
كِلاهما – جاد ويارا – يُمثّلان شريحة كبيرة من الناس الذين يُعانون من “عُقدة نقص” بسبب الغيرة المخفيّة الشديدة جدًا، والتي تنمو وتتكاثر مع الوقت، وتكبر معها في آنٍ واحد (عُقدة التفوق) لديهم، فتزيد معها الرغبة بالإيذاء، من خلال تقمّص تلك الشخصية المُبهرة وتقليدها، تلك التي يشعرون أمامها في (الدونية)، وعندما تتضخّم تلك العُقدة لديهم تتضخّم معها الغيرة حدّ الإيذاء وإسقاط الآخر حين تسنح لهم الفرصة لفعل ذلك، ويعود السبب ببساطة شديدة إلى حبّ الظهور والتخلّص من شعور النقص الذي رافقهم كُلّ الوقت. وهل من أحد من الناجحين/ات لم يتعرّض بحياته لمِثل تلك الشخصيات المريضة بالغيرة والمسكونة بالحقد والإيذاء، أولئك المخفيّون وراء الوجه الملائكي وادّعاء الطهر والنقاء وقناع الحُبّ، وهُم مُتخمين بالمكر وسلاحهم الضرب تحت الحزام؟؟!!
لذلك لم نستهجن على الإطلاق كثرة المشاكل بين الأصدقاء المُتابعين للمُسلسل، وزعزعة أمانهم الداخلي؛ لأنّه أثار فيهم المشاعر المُرهقة، وفسّر الكثير من السلوكات التي كانت مُبهمة أمامهم سابقًا، وهذه النماذج أيضًا في بعض مشاهد المُسلسلين سبّبت التراجع نفسيًا واجتماعيًا لبعض الحالات التي نُتابعها.

ولا بدّ لنا أن نعرّج هنا على “عُقد الطفولة” الناجمة من فقد الأم أو الأب، أو هجر أيّ مِنهما لأولادهما، فهي تبقى عالقة في العقل الباطن واللاوعي إن بقيت دون علاج؛ لأنّها تقود الشخص إلى تقليد السلوك الذي يكرهه، وتقمّص الشخصية التي يكرهها أيضًا دون وعي، وهنا يُعيد التاريخ المُشوّه نفسه مرة أُخرى وربما مرات. ولاحظنا كيف فعلت الدكتورة بيان مِثلما فعلت بها والدتها، وكما قلّد غِمار الغانم أبيه الذي كان يحقد عليه ويمقته، فنسخ سلوكاته جميعها ولصقها بسلوكه إلى الحدّ الذي قاده إلى تقمّص شخصية أبيه بلا حدود أو قيود.

قديمًا كان الفنّ يسبق الواقع وأداة للتعبير عنه، وتوقّع ما سيحدث بالواقع لاحقًا لنشر التوعية والجاهزية، أمّا الآن فالواقع سبق الفنّ بمسافات طويلة، ولم يعُد الفنّ قادرًا على اللحق بركب الواقع والتعبير عنه، لذلك استهجن الكثير من المُشاهدين وثاروا عندما عكس الفنّ سواء الدرامي أو الكوميدي مشاهد من الواقع، وبدأ الهجوم إمّا على الممثل/ة نفسه، أو على القناة التي تعرضه، وكأنّنا نعيش في مُجتمع (أفلاطوني) خالٍ ممّا شاهدناه ورأيناه من سُخفٍ وإطالة اللسان، وإباحة العيب، وتجميل القُبح الذي عكسه الفنّ للواقع.

كُلّ ما نُشاهده على المواقع وعلى الشاشات والفضائيات الكثيرة هي تفضح الواقع وتُعرّيه وليس كما يدّعي الأكثرية أن ما نسمع ونرى غير موجود، بل يُمكن القول أنّه غريب عن مُجتمعاتنا العربية وقيّمها الأصيلة التي ولّت رحمها الله، وهذا لا ينفي حقيقة وجودها على أرض الواقع، مِثل غيرها من الظواهر المُرعبة، فهذا كلام غير دقيق إطلاقًا، وما هو موجود في الواقع من سوء وشرّ وحقد وغيرة وإيذاء وخيانة وكذب وعُهر ربما يفوق ما نُشاهد بعضًا منه على الشاشات، ومَن يعمل في مجال العلاج الاجتماعي والنفسي يرى بأُم عينيه مآسي هذا الواقع المرير..

وبدلًا من الهجوم، من المفروض المساعدة على إصلاح الواقع لا إنكاره وتغطيته بشعارات باهتة لا لون لها ولا طعم، فتعريف المشكلة يُساهم في ثلثيّ حلّها، أمّا إنكار وجودها يُساهم في تغلغلها في نسيج المُجتمع بسُرعة البرق في ظِل هذه التقنيات المتطوّرة، والدراما والفنّ عمومًا لا تفعل شيئًا سوى سدل الستار عن الفواحش التي تحدث في المُجتمع، وتسليط الضوء عليها لقرع الجرس بصوتٍ عالٍ لعلّ وعسى يتمكّن من سماعه أولي الأمر، فهي ليست للتسلية وإضاعة الوقت لِمَن يُتقن قراءة الواقع جيدًا. لذلك، لا يجوز التستّر عليها والوقوف في صفّ المُتفرج بجانب أصحاب الأبواق الفارغة التي تقتصر وظيفتهم على الانتقاد والهجوم دون حلول أو حتى بدائل مُقنعة، أو بجانب مَن يُنكر وجودها ويُحارب مَن يُثيرها ويفضحها على الملأ..

وأخيرًا، (التقمّص) مرض نفسي اجتماعي بامتياز، ومُسلسلات رمضان أثارته ودعّمته في ذات الوقت، اعتقد وجب على المسؤولين اليوم إعادة النظر باعتبار العلاج النفسي والاجتماعي والُأسري (ترف طبّي) غير مشمول في التأمين الصحي، ووجب عليهم أيضًا التوقف عن إنكار عدد المرضى النفسيين التي أظهرتها دراستهم الأخيرة، وما خفي أعظم، فهذا مؤشر خطير على المواطن والوطن، الفرد والمُجتمع، ويجب التحرّك فورًا، فالمُجتمع مليء بالظواهر المرضيّة وبالمرضى، وذلك يُفسّر تراجع القيّم وتدهور الثقافة وانحطاط الأخلاق..

التحليل الوارد هنا أعلاه للظواهر المُجتمعية (الحقيقية) التي عكستها الدراما الرمضانية لم يكن من ناحية تقييم أو نقد “فنّي”، فهذا ليس من اختصاصنا، وإنّما تناولناه من (بُعد جندري) مصحوبًا بتحليل نفسي اجتماعي لِما تمّ مُشاهدته على الشاشة ورصده في الواقع، في شهر رمضان المبارك، وانعكاس ذلك على سلوك الحالات التي تُراجعنا من الجنسين.. لذلك، سيبقى لنا دومًا في هذا الإطار حديثٌ آخر وبقية…. دمتم….

دة. عصمت حوسو

رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية والاجتماعية والتدريب

Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found

2 thoughts on “متلازمة جبل وغِمار

  1. شذى says:

    تحليل واقعي ولكن ولكن ولكن في بداية التقرير قلتي اني هذه المشاهد في الدراما التي شاهدها ممن يعني منها رادت لديه وممن لايعرفها تكونت لديه وقلدها اذن مافائدة نشرها لزيادة الدمار وحرق الاخر مع اليابس هل ليقلدها المراهقون فتزداد عيوبهم الاتلاحظين مع ازيادد الدراما وانتشارها زاد فساد وهلاك المجتمع وحتى المجتمعات الغربيه صار المجرم يعرف كيف ينفذ من القانون صار القانون بلاقيمه مع الهدف منها
    انا من الناس التي تلوم السوشل ميديا بداية بالتلفاز لانها غير موجهه للخير وانما للشر ولسوء المجتمع وهناك من يحركها ويفرح بها والهدف تمزيق الاسره والمجتمع حتى صار الكل لايرضى بواقعه ويغيره نحو الاسوء هم يخربوو ونحن نزيد من العلاج النفسي اين الحل

اترك تعليقاً

Don`t copy text!