كم من طغاة على مدار التاريخ اعتقدوا أن الدنيا ملكهم وتجبروا في البلاد وتحدّوا رب العباد في طغيانهم، وظنوا في أنفسهم مقدرة على مجاراة الكون في سننه أو مصارعته في ثوابته فمدهم الله في طغيانهم يعمهون. فصنعوا بذلك أفخاخهم بأفعالهم، ونسيوا أنهم في الدنيا ليسوا سوى عابر سبيل ولم يتركوا وراءهم أي أثر جميل. فلعنهم التاريخ ووصمتهم أفعالهم، وكانت نهايتهم الحتمية هي الدليل الكافي على مكرهم وطمعهم وسوء صنيعهم..
ما يحدث غالبًا أن كل شخص يشعر بالظلم يستمرىء في الدعاء لله تعالى لرفع الظلم، في حين أن ذات الشخص يكون ظالم ومستبد في دائرته، فلا يُستجاب دعاء وتغرق الدنيا في مظالم أكثر فأكثر. فمن تلمّس الظلم ومسّه فالأولى ألاّ يمارسه، وهنا على وجه الخصوص يجب على ذلك الشخص الإيمان بأن مصدر الظلم لم يعد في الخارج بل في داخله هو نفسه، لأنه تمثّله واعتاد عليه فتلجأ دفاعاته النفسية إلى إسقاطه على الغير حين تسنح أول فرصة. فيتطاير الظلم باحتضار الروح وبحداد البوح…
فالبشر يذمّون الظلم خوفًا من أن يصبحوا من ضحاياه لا اشمئزازًا من ارتكابه. ولكن لا مناص من دفع الظلم عند وقوعه إذا أردت أن تبقى إنسانًا؛ وللكرامة عنوان..
وفي حديثنا عن الظلم فإنه من الظلم أيضًا أن نحصر الظلم بجنس بعينه؛ فالنساء أنواع كما الرجال أيضًا. فساد الرجل ظلم، وفساد المرأة فتنة، وكلاهما رذائل وحين تتفشى تلك الرذائل فنحن نعيش في أسوأ الأزمنة. واستحضر هنا قول الغزالي: “إن ظلم الأزواج للأزواج أعرق الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية”..
بئس الزاد إلى الميعاد هو العدوان على العباد، فغدًا تموت ويقضي الله بينكما بحكمة الحق لا بالزيغِ والحيلِ.. فظلم الأشرار معتادًا لكن صمت الأخيار مستهجنًا وما زاد من ظلمهم وطغيانهم، ولا يغري الظلم إلاّ من أمن العقاب…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found