الحاجة إلى الاطمئنان وفرض السلطة هي الدافع الرئيسي لدى المؤسسات السادية التي تفرض على الآخرين ما تخشاه على ذاتها؛ إنها الطمأنة على القوة الذاتية من خلال تدمير الآخرين وإبادتهم وبالتالي قهرهم وإحباطهم. بتلك الطريقة فقط تتمكن تلك المؤسسات على اختلاف أنواعها من حسم مشاعر القلق على استمرارية وجودها من خلال هذا الفعل الكارثي المجسّد في (عنف بلا حدود) على الأفراد سواء: بعدم تطبيق القانون على الجميع بالطريقة ذاتها، أو سيادة الظلم الاجتماعي، انتشار الواسطة على حساب الكفاءة، التفنّن في فرض الضرائب تكاد تصل إلى الهواء، الزيادة على كافة الرسوم، غلاء المعيشة وقلة الأجور، ضعف الخدمات المقدمة وركاكتها، نظام تعليمي هزيل، إعادة تدوير المناصب وحرمان الأغلبية من المشاركة، احتكار السلطة بأيدي القلة نفسها، توريث المناصب، الإقصاء والتهميش، تفشي الفساد المخفي والمعلن واستشرائه، تزوير الإرادة الشعبية وتكميمها، وغيرها…
المؤسسات السادية تقوم بإسقاط حالة الضعف والركاكة لديها على الأفراد (الضحايا) كميكانيزم دفاعي لحالة الضعف تلك بعد تجسيدها في الخارج، والهدف من ذلك هو الوصول إلى شعور بدائي بالجبروت الذي يجعل التدمير ضرورة لا مناص منها. فالعلاقات ضمن مؤسسات المجتمع السادية تحكمها أساسًا منطق السلطة القمعية ولغة الإدانة.
السادية في أساسها حالة نفسية عامة، وضعية علائقية مع الآخر تتخذ طابعًا مأساويًا لأنها تنطلق بما يمكن تسميته (بنزوة السطوة)، إنها السيطرة على الآخرين وإذلالهم، والحط من شأنهم، وتجميدهم، وشلّهم، وإخافتهم، وصدّهم، ووضعهم تحت رحمة السلطة، وتحقيرهم، وتحطيم مبادراتهم من أجل إعلاء شأن الذات بواسطة العنف. ما يودّ السادي من الوصول إليه هو (نشوة القوة والجبروت) من خلال مسح وجود الآخر، بذلك فحسب يطمئن إلى قوته غير الواثق منها ويخفف من حدة قلق وجوده واستمراره..
جميع ما سبق يفسّر لنا حالة العنف المتصاعدة في المجتمع بين جميع شرائحه وفئاته وأطيافه، لأن شدة العدوانية تتناسب طرديًا مع شدة الشعور بالإحباط والقهر والاضطهاد والظلم وعدم العدالة ونظام الكفاف المُهين؛ فيزداد العنف بكافة أشكاله بازدياد نمو عناصر الإحباط التي غدت ممأسسة في الوقت الحاضر. الأمر الذي قاد إلى نتيجة حتمية وهي:- إما إذعان الأفراد بشكل مطلق بما يمثّل (الماسوشية) بمعنى القبول المذعن وتنفيذ قهر المؤسسات، وإما التوجه من العنف الداخلي إلى توجيه العنف للخارج وانتشار الظواهر الاجتماعية المرضية التي تمزّق النسيج المجتمعي وتفتت الوحدة الوطنية والأخطر تفجّر الخلايا النائمة وتعطيها فرصة للعمل خارج الظلام…
فالعنف كغيره من أشكال السلوك هو نتاج مأزق علائقي، فهو وليد عملية تغيّر بطيء داخليًا وعلائقيًا يقضي على عواطف الحب والمشاركة ليفجر مكانها (العنف) حرًّا. فتنهار روابط المواطنة والضمير الجمعي والمشاركة والتعاطف وغيرها من الروابط الأصيلة وتحل محلها مشاعر الغربة والاستلاب والعداء والاضطهاد. يرافق فكّ الارتباط العاطفي مع الوطن الانتماء إلى جماعة مرجعية (ما) على حساب الوطن، مما يؤدي إلى طغيان البرود العاطفي لدرجة قد تصل إلى انعدام الحساسية والإقدام على الأفعال الإرهابية والإجرامية كالقتل أو الإبادة أو التدمير ببرود كلي وبلا مبالاة وكأن الشخص يقوم بأمر تافه لا قيمة له ولا يستحق الشعور بالذنب. (وهذا ما يفسر بعض ما تقوم به عصابة داعش الإرهابية حاليًا).
الإذعان المزمن له عتبة تحمّل، بعدها لا يستطيع المواطن تحمل حدة الإيذاء للكبرياء ومرارة لقمة العيش والماء. الرفض الشعبي لتدابير قاسية محددة من المتاح جدًا أن يتم تعميمها نحو رفض كل شئ، قد تكون مقدمات (عصيان مدنى) لا سمح الله وهو أبعد ما نرضاه ونتمناه لوطن نرنو إليه بقلوبنا وأرواحنا ونحمله بين الجفنين…
الصمت على ثنائية (السادية – الإذعان) جريمة كاملة الجوانب نحو المجتمع والوطن.
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found