قال تعالى:- “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام” صدق الله العظيم.
إن أقدر البلغاء على البيان لا يستطيع أن يصف كاذبًا بأبلغ من هذه الآية…. لو اجتمع الفلاسفة المفكرون، وانضم إليهم علماء الاجتماع أجمعون، والتحق بهم علماء النفس الأولون والآخرون لأجل أن يجدوا وجهًا معقولًا لعلاج داء (الكذب) لعجزوا عن ذلك..
من المعلوم أن الكذب جزء من الطبيعة البشرية في الحياة الدنيا ومتلازمة إنسانية في مواقف التفاعل الاجتماعي، ولكنه حتمًا (داء) لا يُصاب به الجميع، وإن فتكت الإصابة بالتأكيد لن تكون بمستوى العطب نفسه عند المصابين؛ لدى ضحايا خرافة (الكذب الابيض) على الأقل…
(البعض) يمشي على قاعدة في موضوع الكذب (الأبيض):- (أن الكذب الموافق للمصلحة خير من الصدق المثير للفتنة)، ويعللون ذلك بحكمة مرعبة قابلة للتأويل بأن الصدق المثير للفتنة هو الكذب عينه لأن الكذب لم يُستقبح إلاّ لكونه مضرًا؛ فالصدق المضرّ كذب أيضًا. فالفضائل (كالصدق) ليست فضائل لذاتها بل لأن المصلحة العامة اقتضت تفضلها بالإحسان، وكذلك الرذائل (كالكذب) لم تكن رذائل لذاتها بل لأن المصلحة العامة اقتضت ارذالها بالاستهجان. فالفضائل فيها منفعة والرذائل فيها مضرّة… وبناءً على ما سبق لا يعتبر الصدق هنا – بناءً على قاعدة (البعض) – ما يوافق الواقع، كما لا يعتبر الكذب ما يخالف الواقع؛ وإنما يكون الصدق هنا ما وافق المصلحة وإن خالف الواقع والكذب هو ما خالفها وإن وافق الواقع !!!
في اللحظة التي يغدو الكذب (الأسود والأبيض) أسلوب حياة، يضيع عندها الخط الرفيع الفاصل بين الصدق والكذب ويختلط ما يشين بما يزين، ويسود التشويش النفسي لدرجة تصديق الشخص نفسه لأكاذيبه. فالكاذب الحقيقي هو الذي لا يُدرك خداعه لأنه: (يكذب بصدق)، وتتوه بوصلته عند محاولته التمييز كذبه من صدقه.. فمن يتفنّن في نسج أكاذيبه يصبح سجينًا لشباكها، فتدخل به ظلامًا دامسًا إلى حيث لا يدري كيف يسير وإلى أين يمضي وماذا يلاقي، فهو لا يحس إلاّ بخشونة الريب إذا مدّ يده لامسًا، ولا يسمع إلاّ زمجرة الشكوك إذا مدّ عنقه مصغيًا…
الكاذب يستمتع عادة بأكاذيبه بل يجد فيها راحته لأنه (بحاجة) لجوجة إلى الاستحواذ على لفت انتباه الآخرين واهتمامهم، بالإضافة إلى شعوره (بالقوة) نظرًا لنجاحه المتكرر في السيطرة على زمام الأمور في جميع المواقف، فهو يقتات على الإعجاب والقبول الاجتماعي لقدرته على إقناع الآخرين بصدق كذبه وإبهارهم. وفي حال كان الهدف للمتمرس على الكذب هو الحفاظ على استمرارية الظهور بصورة اجتماعية (محترمة) أمام جمهوره – على الرغم أنها في الحقيقة مزيفة ومغايرة لطبيعته الأصلية – يصبح الكذب هنا (حرفة) والمخرج الميكافيللي الوحيد للوصول لأهدافه؛ فالغاية تبرّر الوسيلة..
وفي بعض الحالات يلجأ الشخص إلى الكذب لاستمتاعه بممارسة دور الضحية، ويصور نفسه دائماً بصورة المظلوم والمجني عليه ومهضوم الحقوق، والعكس يكون الصحيح طبعًا. أما أسوأ الأحوال عندما يلجأ الكاذب لنسج أكاذيبه اللامتناهية في حلقات مُفرغة لإخفاء شيء (معيب) قد يضره أو يضرّ المهمّين في حياته في حال انكشافه، وهنا على وجه الخصوص خوفًا من الخسائر الفادحة المترتبة على فضح أكاذيبه يبدأ (فن) التمثيل المحبوك، والفنون جنون…
الكذب لا يخفي الحقيقة وإنما يؤجل اكتشافها فقط، ونتائجه وخيمة جدًا وإن حقّق السعادة على المدى القصير، الكاذب المحترف الخطير هو من يتمتع بذكاء خارق يرافقه لؤم ثعلبي، فيتوهم في لحظة (انتشاء) من تكرار نجاح أكاذيبه أنه قادر على الاستمرار مدى الحياة في الإخفاء من فرط الذكاء.. ويتناسى أن قوة الله أقوى منه ستخسفه في لحظة مباغتة وتفضحه وتنقلب حياته رأسًا على عقب كأخذ عزيزٍ مقتدر، فاستمرار الحال ضربًا من المحال..
فما كان يُشكّل له خيال مريح وممتع يتحول بلمح البصر إلى واقع أليم شديد المرارة والندم؛ فليس للكذب أرجل ولكن للفضيحة أجنحة… وللكرامة عنوان…. الكذب الأبيض أو الأسود سموم السعادة….
الكذب آفة المجتمعات العربيه…وهو مدخل التخلف….
مقال جيد يناقش الكذب على المستوى الفردي….محتاج استكمال عن ضرر الكذب على مستوى الوطن والشعب.
احسنت…
تحيه واحترام