كلمة (الطير) تجمع الصقر والدجاجة معًا ولكن هيهات للفرق بينهما، كالفرق تمامًا بين الذكور والرجال الرجال..
الرجولة أدب قبل أن تكون لقب، يتجرع الذكر منذ نعومة أظفاره كيف يصبح رجلًا من أهله وعشيرته ومدرسته وأصحابه وناسه، فإما أن يُمسي ذكرًا أو يضحى رجلًا، وفي أسوأ الأحوال يغدو ذكرًا شبيه بالرجال أو نصف رجل عضويًا على أقل تقدير. والنوع الأخير يُبرّر استخدامي هنا لشخصية (أبو بدر) كوميدي مسلسل الجماهير الرمضاني (باب الحارة) كأنموذج لوصف أشباه الرجال وأنصافهم، لا من زاوية تبعيته المُطلقة لزوجته فوزية فقط وإنما لجُبنه وخوفه منها ومن الجميع بالقدر نفسه، وعدم وضوح معالم رجولته في كافة المواقف الشخصية والوطنية على حدّ سواء. وعندما أُتيحت له الفرصة لإبراز ذكورته بعد ميراثه المالي المُفاجىء، أول ما أقدم عليه هو الزواج مرة أُخرى على زوجته فوزية، فالفحولة مع النساء سواء بالتعدد أو بالخيانة هو أول معلم ذكوري ليدّعي أبو بدر وأمثاله انتمائهم لجنس الرجال، وهم كُثُرُ..
الرجولة مفهوم واسع جدًا يشمل أجمل القيّم الإنسانية وأسماها من الشهامة والمروءة والكرم والكرامة والأصالة والمصداقية والوفاء والإخلاص، والأهم (الرحمة) فهي الحاضنة للقيّم السابقة لا بل أكثر، أما الذكورة فتُشكل حيّز بيولوجي بسيط ضمن مظلة الرجولة..
الرجولة الحقيقية؛؛ هي الذراع الذي يرعى لا ذاك الذي يضرب،، هي نيّة الحماية لا نيّة النكاية،، هي الصوت الذي يحنّ لا ذاك الذي يصرخ،، هي القلب الذي يُحبّ لا القلب الذي يكره،، هي اللسان الذي يُفرِح لا ذاك الذي يجرح،، هي الكلمات العطرة لا تلك العكرة،، هي لغة الثناء لا لغة الجفاء،، هي الجسد الذي يصون لا الجسد الذي يخون،، هي حفظ الأسرار لا فضحها أمام الأغيار،، هي الروح التي تنبض بالغفران لا بالطغيان،، هي الحصرية مع المرأة لا المشاعية،، هي الحكمة لا النقمة،، هي القوامة بالكرم والعطاء لا بالبخل في السخاء،، هي التفضّل لا التمنّن،، هي السمات العربية الأصيلة لا تلك الغربية الدخيلة،، هي جمال الجوهر لا خداع المظهر،، هي الإغداق بالمشاعر والمال لا التقتير والاستغلال،، هي الشرف بالصدق لا بالكذب،، هي الرحمة لا الانتقام،، هي التي تحمي الزواج بالدفء والتعديل والصبر لا بالهروب والظلم والتقصير والتبديل والتجديد والخيانة،، هي سماع صمت المرأة لا صراخها،، هي ارتقاب ابتسامتها وفرحها لا التفنّن في ذرف دموعها،، هي صون كرامتها لا شرخها..
فالرجل الشجاع هو المليء بالجُبن عن أذى المرأة، أما الرجل الجبان فهو المليء بالشجاعة لفرد العضلات على المرأة وظُلمها وتعنيفها وإطالة اللسان عليها أو على الرجل الأقل حيلة..
ليست الرجولة أن تُحبّك كل النساء، بل الرجولة الحقيقية أن تُحبّ بصدق وتعشق بأخلاق وتتصرف بإخلاص وطيبة وصفاء نيّة لامرأة واحدة وواحدة فقط، وتجعلها فوق كل النساء؛ في فِكرك ووجدانك وتصرفاتك، وأن تراها هي (وحدها) في عيون كل امرأة تقابلها، وتختزل جميع النساء فيها. فإياك وهدم جسور الثقة بسوء الممارسات الذكورية فلن تستطيع إعادة بنائها بزخرفة الكلمات مرة أُخرى..
أما أشباه الرجولة وأنصافها فما هي إلاّ (الفقر) بجميع ما سبق؛؛ وهي استغلال جاذبية الشكل كالطاووس، وسحر العيون والمجون، والمظهر الخدّاع المفتون، وكلام النفاق المعسول، والعضلات المنفوخة وغيرها. فاكتفاء هؤلاء – أشباه الرجال – بتعريف (الذات) بهذه المظاهر الجوفاء البرّاقة المخادعة، أو بالسُلطة، أو بالجاه والمال، يصبح كل منهم (لا شيء) و(لا أحد) بزوال التعريف.. فرجولة أولئك هي مجرد تجريب الصوت الذكوري الخشن والفحولة ربما بواعز شك ذاتي لديهم لاختبار أنهم ما زالوا ذكورًا أم ليس بعد!! ويتبجح هؤلاء ويتفاخرون بعلاقاتهم المشبوهة كما يتبجح حديثي النعمة ويتفاخرون بثرائهم …
ولمِن يسأل هنا إذا كان ما سبق هو مواصفات الرجولة الحقيقية فما هي مواصفات المرأة الحقيقية إذن؟؟ أُجيب بأن السمات الأخلاقية السابقة من المفروض أن تكون متلاصقة بالإنسان كإنسان وليست حكرًا على جنس دون آخر، (فشرف) الإنسان رجلًا أو امرأة هو (بالصدق) فقط؛ الصدق في التفكير والمشاعر والسلوك، والصدق هنا يعني التوحد مع الذات وعدم الازدواجية؛ أي: حياة واحدة فقط (متطابقة) في الداخل والخارج على حد سواء لا واحدة بالخفاء وأُخرى في العلن، ومبدأ واحد فقط مُطبق بعدالة على الجنسين في إطار (الشرف) بعيدًا عن تقزيمه واختزاله في عذرية المرأة وجسدها وسلوكها ويُباح كل ما هو عيب عليها للرجل ويُستباح دمها وترخص روحها إلى حدّ قتلها لأي سبب وتغليفه بغطاء هشّ بادّعاء الشرف..
للعلم فقط؛ الصفات الحميدة للإنسان المُحتكرة في المجتمع الذكوري للرجل فقط للأسف الشديد هي ذات الصفات المُتمنّاة في المرأة أيضًا، الإنسان الحميد هو رجل مكتمل وامرأة مكتملة، وإذا كانت (الرجولة) هي المصطلح الثقافي المتفق عليه مجتمعيًا لوصف (الكمال والتفوق والتميّز) فلا ضير إذًا على كل أنثى تمتلك ذات الصفات أن تُنسب إلى الرجولة (بالمعنى الثقافي الاستعلائي) فهي إذن (أخت الرجال) بالمعنى الحرفي و الرمزي معًا…
الرجولة الحقيقية التي يفتقدها المجتمع هي تلك التي تستشعر الوطن لا تستخدمه لذاتها، هي التي تأخذ موقفًا من أجل الأرض والإنسان لا من أجل مقعد حرير أو منصب مثير أو مال وفير، هي تلك المستعدة للتنازل عن مصالحها إذا تعارضت مع المصلحة العامة، هي التي ما في داخلها لا يبتعد كثيرًا عن ما في خارجها …. مواصفات صعبة قد تجعل الرجولة بعد حين عملة صعبة المنال والاستحقاق، فخصوبة الأمم تُقاس بإنتاج الرجال الرجال بسمات الرجولة الحقيقية، وتُقاس رجولة الذكر في (الميدان) فقط عند حماية الوطن الخاص والعام وكفايته، ليس في المخادع أو مع الغواني..
وأقول هنا كما قال الشاعر العراقي معروف الرصافي مع إضافة المرأة بجانب الوطن – توكيدًا لا تطاولًا عليه – ((لا يخدعنّك هتاف القوم بالوطن (والمرأة)، فالقوم بالسرّ غير القوم بالعلنِ)). فمن خان المرأة كمن خان الوطن وسيبقى يشعر ببرد العريّ من الضمير الأخلاقي والوطني حتى بعد أن يعود الطين للطين… أهي الرجولة أم أنصافها ما تريد المرأة وما يرنو له المجتمع وما يتمناه ويرضاه الرجل الرجل لذاته ؟؟؟ الوطن جميعه يصرخ الآن أين الرجولة؟؟ فتُجيب الرجولة مستنكرة: ليس لدي الوقت لأدافع عنك حاليًا فأنا مشغولة بتأديب نسائي وتعنيفهن وقتلهنّ بداعي الشرف….
أختم المقال بمثل شعبي أردني يُعبّر تمامًا عن أولئك (أشباه الرجال) وأنصافهم البعيدين كل البعد عن احترام المرأة والوطن فهم لا يحترمون ذاتهم أصلًا:- “من قلة الخيل ربطنا على الكلاب سروج”.
عزيزتي الدكتورة. الحقيقة ان مقالاتك في عمق جميل يستند لعلم النفس و الاجتماع واتمنى لو كنت ضمن الطاقم الاكاديمي في الجامعات مثلا في العلوم الانسانية لان فكرك يثري المستمع له