الفصل الأول في الزواج شِعر، وبقية فصوله نثر… طوبى للناثرين ولا عزاء للشعراء…
يعتقد الكثير من الأزواج أن التواصل بينهما ناجح، وفي الحقيقة يكون نجاحًا (ظاهريًا) فقط لا حقيقيًا؛ بسبب تجنّب الحوار خوفًا من المشاكل التي تنجم خلاله في كثير من الحالات، والتهرّب من مناقشة أهم تفاصيل الحياة وأحداثها، والرغبة الشديدة لمنع النكد أن يسود جوّ البيت، ونتيجة لذلك يتبنّى الكثير من الأزواج نظرية (الطبطبة) اعتقادًا – خاطئًا بالطبع – أنها الحل الأمثل!!
من الجائز أن تكون “الطبطبة” حلًا ناجحًا في بعض الأوقات، ولكن من المؤكد أن الطبطبة وترحيل المشاكل، لا يُمكن في أي حال من الأحوال أن تأخذ شرعية الحل السحري في جميع الأوقات ولجميع الخلافات، نتائج ذلك وخيمة جدًا على جميع الأطراف؛ فالطبطبة (وقود) تصاعد المشاكل وتراكمها مع الوقت إن تمّ اعتمادها كنهج حياة، فالمشاكل غير المحلولة (جذريًا) والمُرحّلة كذلك تطفو فورًا على السطح عند كل موقف مثير، ويومًا ما ستأتي اللحظة الانفجارية وهذه هي الكارثة حقًا.
من أبرز المشاكل المنتشرة بين الجنسين مثلًا أن تشكو الزوجة دائمًا: الزوج “لا يستمع لها”، بالمقابل يشكو الزوج بأنها “مُحِبّة للجدل” أي بالوصف الذكوري المتداول أنها (نكدة ومشكلجية). وفي الحقيقة يعود هذا الأمر إلى الفرق البيولوجي المُختلف لطبيعة كُلّ مِنهما في أساليب التواصل والتعبير عن مكنونات الذات مما يخلق مشاكل جوهرية بين الزوجين إن لم يتم مواجهتها وحلها أول بأول.
أول مفتاح من مفاتيح التواصل الزوجي الناجح هو (الإنصات) وليس فقط (الاستماع)، الإنصات لما يقوله الشريك وليس ما ترغب في سماعه، ففي كثير من الأحيان يبدو ما يقوله شريك الحياة مختلف جذريًا عمّا يسمعه الطرف الآخر!! وبالمقابل، الزوجان اللذان ينصتان لبعضهما يعبُران سوء الفهم والنقاشات غير الضرورية ببساطة، لأنهما ينصتان (دون مقاطعة) ويستوضحان النقاط غير المفهومة أثناء النقاش كاستخدام عبارات مثل: “هل هذا ما تقصده؟؟”، “إنك تقول كذا وكذا، هل فهمت ما قلته بشكل صحيح؟؟”، “هل انتهيت مما تودّ قوله؟؟”. فطلب التوضيح أو ترديد ما يقوله الشريك وعدم المقاطعة يحول دون حدوث أزمة محتملة بينهما ويظهر احترام حديث الآخر وعدم التقليل من قيمته.
المفتاح الثاني للتواصل الزوجي الناجح هو الانتباه (للغة الجسد) أثناء الحوار وليس فقط التركيز على الكلام المنطوق والمقصود، ليس مهمًا ما تقوله بقدر أهمية كيف تقوله؛ فالطريقة ونبرة الصوت قد تنقل الرسالة أو تُعيقها، الأمر الذي يقود إلى سوء الفهم ووقوع المشاكل بينهما. فإعاقة نقل الرسالة يقود أحد طرفي الحوار إلى موقف دفاعي يُقابله موقفًا هجوميًا من الطرف الآخر، معتمدين على ما تم قوله وما تم سماعه دون الانتباه إلى ما تمّ نقله للطرف الآخر دون كلمات. على سبيل المثال الحاجب المقطّب يُظهر الشك والريبة، ولمس الوجه يوحي بالتكتم، ووضع اليدين على الفخذين يعني الغضب أو الإحباط حتى لو لم يكن مقصودًا وحتى لو لم يتم لفظ كلمة واحدة، لذلك يجب مراعاة لغة الجسد وتناسبها مع لغة الحوار وطريقته.
المفتاح الثالث للتواصل الزوجي الناجح هو احترام وجهات النظر عند الاختلاف، فالهدف من الزواج ليس الوصول إلى التفكير بشكل متشابه، بل التفكير معًا للوصول إلى حلول مشتركة حتى لو كانت الآراء مختلفة وحتى لو لم يتم تغيير وجهة النظر في النهاية. فليس متوقعًا من الزواج الاتفاق في الآراء طيلة الوقت، ولكن المطلوب هو التعبير عن الرأي بطريقة محترمة ليحظى الزواج بالسعادة والنجاح، لأن طريقة التعبير غير المحترمة تخلق عدم رغبة في الاستماع عند الطرف الآخر وعدم رغبة في إكمال الحوار أيضًا.
فاحترام وجهة نظر الآخر عند الاختلاف وعدم اللجوء مطلقًا إلى التهديدات الغاضبة أو الإهانات والشتائم وغيرها من أشكال الهجوم الشخصي يحقق تواصلًا قائمًا على الثقة والحُبّ. فالكلمة السليطة أو الملاحظة الطائشة التي تستغرق ثوانٍ في نطقها يستمر تأثيرها على الآخر لسنوات طويلة ممّا يُدمّر مناخ الثقة الذي استغرق بناؤه جهدًا ووقتًا طويلين.
المفتاح الرابع للتواصل الزوجي الناجح وأحد أهم أسراره هو اختيار الوقت المناسب، فيجب معرفة الوقت الذي يكون فيه شريك الحياة غير مستعد للاستماع. فربما كان اليوم متعبًا شاقًا ومشحونًا بالضغط والتوتر ومليء بالمهام المُرهقة على أحد الأطراف، فالحديث في مثل هذا اليوم يُعتبر غير مناسب ولن يستمع الآخر لما يتم عرضه. فإذا ما أجّل الشريك الحوار لوقت آخر من الضروري احترام رغبته وعدم الشعور بالإحباط أو التجاهل، بل على العكس يجب الاستفسار عن الوقت المناسب لِكلّ مِنهما لضمان نجاح الحوار، فاختيار الوقت المناسب للتواصل يضمن استيعاب الطرفين للرسالة المطلوبة.
المفتاح الخامس للتواصل الزوجي الناجح استخدام عبارة “أنا” بدلًا من “أنت”، فالبدء بالحديث بعبارة أنا للتعبير عن المشاعر السلبية تُجنّب الطرف الآخر الشعور بالهجوم وتضمن عدم إنهاء الحوار بشكل سريع. فبدلًا من التفوّه دائمًا بعبارات (أنت لا تهتم، أنت دائمًا كذا، أنت لا تفعل كذا) يُمكن استبدالها ب (أنا أشعر بالانزعاج من الوضع الفلاني)، فهنا كان التعبير عن الشعور السلبي الناجم عن سلوك ما وليس من شخص الآخر نفسه/نفسها.
فمثلًا: بدلًا من القول (أنت لا تهتم بي ولا تُساعدني بأعمال المنزل ورعاية الأولاد)، يُمكن استبدالها ب (إنني أشعر بالتعب الشديد من المسؤوليات)، فالأخيرة تأتي بنتائج إيجابية لأنها لم تُشعِر الزوج بالاتهام والتقصير. وكذلك الأمر للزوجة، فبدلًا من اتهامها بأنها لا تُراعي وضعه المالي وغير مكترثة بضغوطه، يمكنك القول لها انك تشعر بضغط مالي شديد وغير قادر على تسديد الفواتير لهذا الشهر مثلًا، فذلك يُشعِرها بالمشاركة ويجعلها تفكر معك بالحلول وكيف تقتصد لتُساعدك وتُخفف عنك. تلك الأمثلة يُمكن القياس عليها في جميع مناحي الحياة الخاصة والعامة على حد سواء.
المفتاح السادس للتواصل الزوجي الناجح هو التعلّم من الأخطاء وعدم العودة للماضي أثناء مناقشة المشاكل، إن إثارة المشاكل القديمة عند التحدث مع شريك الحياة يُسبب الاستياء ويحول دون مواصلة الحياة قدُمًا نحو مستقبل سعيد، ويبقى الطرفان يدوران في الدائرة نفسها مرارًا وتكرارًا. فإذا كان هناك مشكلة قديمة لا تستطيعان التوقف عن التفكير بها وتُسبب ألمًا لكليكما يمكنكما عدم خلط الأمور معًا وتخصيص وقت آخر منفصل للحديث بها، وإيجاد حل جذري لها نهائيًا في جلسة واحدة فقط حتى لا تُثار في النقاشات المستقبلية.
إن أهم مؤشرات التواصل الناجح في العلاقة الزوجية ليس عدم الخلاف، وإنما طريقة الخلاف وتغيّر نمطه وأسلوبه ونتيجته وطرق حلّه على مدى طولي، فالحفاظ على الهدوء ورباطة الجأش يُجنّب الزواج مباريات الصراخ الذي يُدمر الحُبّ. ليس شِعر الأيام الأولى بين الشريكين ما يصنع أيقونة الزواج الناجح، بل هو النثر المُتقن الذي يكتب رواية الحياة ويرسم أحداثها. هنا على وجه الخصوص… طوبى للناثرين و لا عزاء للشعراء…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found