هل بإمكان بهجة العيد استئصال الشعور بالحزن عندما يمتزج بحسرة الفقد ومرارها؟؟ وهل تُلغي تلك الحسرة المُرّة وجود العيد فينا ؟؟ هل يحقّ لنا أن نقول للعيد: لا تقترب من وطننا هذا العام؛ فلا مكان لك مع مُصابنا الجلل؟؟ أم وجب علينا إطلاق مشاعرنا من عقالها – لا سيّما المُمتزجة منها بحُداء الأرواح – والتكبير بتكبيرات العيد ولبّيك اللهم لبّيك ذِكرًا وشكرًا لله رغم الأسى؟؟
كيف لأهل الشهداء تذوّق فرحة العيد وقد دُفِنَتْ الأخيرة تحت الثرى مع شهدائهم في المقابر؟!
ذلك الحدث المُرهق لم يغِبْ عن أذهان أُمهات الشهداء الثكلى ولا زوجاتهم الأرامل ولا أولادهم وبناتهم اليتامى، ولن يغيب عن أذهان شُرفاء الوطن كذلك؛ فبأيّ شهيدٍ عدتَ لنا يا عيدُ ؟؟!!
لا طعم للعيد ولا طعم للحياة لأهالي الشُهداء، ولا طعم لنا بمعنى التضحية دون استذكار أولئك الشُهداء الذين ضحّوا بأنفسهم دفاعًا عنّا وذودًا عن كرامتنا المهدورة؛ فجاء عيد الأضحى وأولئك المُضحيّين ليسوا بيننا ولا بين عوائلهم، رحمهم الله جميعًا وأنزل الصبر والسكينة في قلوب أهلهم وفي نفوس شُرفاء الوطن..
هذا المشهد الدرامي المُطبق أضحى الآن في عيد الأضحى يجتاح كُلّ أُسرة في الوطن العربي الكبير والصغير على حدّ سواء، فليس هناك استثناء بعد قباحة المآل الذي آل إليه حال الوطن العربي المُستباح من خفافيش الظلام، الذين عاتوا في الأرض فسادًا بإرهابهم القذر كقذارة قلوبهم ووساخة أيديهم وأيدي كُلّ من يشدّ عليهم..
عيد الأضحى يحلّ علينا كُلّ عام حاملًا رحمته والأمل لنا بأيام قادمة أفضل ربما بجرعة أكبر من الأمن والأمان؛ فالوطن ومواطنيه يتوقّون للسلام وراحة البال، ورغم ما يحمله الأضحى من الأمل إلاّ أن الوطن لم يدخل إلى الآن في فارقٍ كبير بين عيدٍ وعيد للأسف الشديد، ولن يُضفي العيد الكبير على الأجواء مزيدًا من الطمأنينة كما كان سابقًا، كيف يُضفي راحة البال وأجواء العيد يُعكّرها رحيل شُهداء الوطن الأبرار؟؟ فكيف سيتقبّل الوطن وأُسر الشُهداء تهاني العيد وفلذات أكباده رحلوا غدرًا على أيدي تُجّار التطرّف والإرهاب؟؟
مُصابكم مُصابنا جميعًا يا أهل الشُهداء، ونتألّم لألمكم وحتى الوطن ينزف وجعًا على شهدائكم، ولكنّنا جميعًا مع الوطن فخورون كُلّ الفخر بفخركم لشهادة أبنائكم الأطهار وأرواحهم البريئة المُناضلة من أجل الحق المسلوب ونصرة لله وللوطن، وبالرغم من قسوة الرحيل إلاّ أنه رحيلّ يملأ نفوسنا جميعًا بالاعتزاز والفخر؛ فلِمَ لا وهم من واجهوا الإرهاب الذي لا دين له ولا يقرّه أيّ دين وهبّوا للتصدّي له ودحره نجدةً للوطن ومواطنيه؟؟
يبدو أن إدراك هذا الفجر “دحر الإرهاب“، ما زال دربه يُريد دمًا وعَرَقًا وتضحيات؛ فحتى العيد وتباشيره يفجّر الألم والأسى في قلوب أُسر الشُهداء، كما فجّرت أسلحة الإرهاب أجساد أبنائهم وهم يُسجّلون انتصاراتهم بأجمل لوحة سيخلّدها التاريخ..
رغم مرارة هذا العيد على الوطن ومواطنيه إلاّ أننا لا نملك إلاّ أن نقول للمكلومين والمكلومات؛؛ يا أصحاب (الوجع الساخن) اصبروا فليس بأيديكم سوى الصبر، وكُلّ عام وأنتم بخير ونصرٍ من الله وفرحة بشهادة أبنائكم الغالية دمائهم؛ فالله سبحانه وتعالى خصّكم أنتم من دون الأُسر كُلّها، وأنتم أهلٌ لها، بشهادة الله لكم وبتضحياتكم الصادقة بأغلى ما عندكم، رحمهم الله رحمة واسعة.
أقول لأم الشهيد وزوجته وابنته زغردنَ لأرواح شهدائكم فالجنة لا تُليق إلاّ بِهم، ولابن الشهيد أقول؛ أكمل مسيرة والدك الشهيد بشرف وكرامة تُليق بروح أبيك..
ولن نجد أقوى من كلمات الله تعالى لنُعزّيكم ونواسيكم بها في العيد: “ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون”.. صدق الله العظيم..
وبعد كلام الله أختِم بكلمات المُتنبّي المُختارة بعناية لِما يُليق بهذا المقام في هذا المقال؛؛
“وعندها لذّ طعمَ الموتِ شارِبُهُ،، إنّ المنيّةَ عندَ الذلِّ قِنديدُ.. صار الخصيُّ إمامَ الآبقينَ بها،، فالحرُّ مُستَعبَدٌ والعبدُ مَعبودُ.. عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ،، بِما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ..”
فماذا اختلف هذا العيد (الكبير) عن سابقه في أُمّة يعرب سوى سلوكها (الصغير) ؟؟!!
أتمنّى أن لا يكون لنا من هذا الحديث على وجه الخصوص بقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found