اللِبنة الأولى في الإصلاح الثقافي والسياسي وحتى الاقتصادي تكمُن دون شك في (ارتقاء) جميع عناصر العملية التعليمية التعلّمية لا (بزنستها)، وضرورة تطويرها باستمرار لمواكبة مُستجدّات العصر وروحه دون المساس بثوابت الأُمّة وتاريخها. ويستدعي ذلك ضرورة تجهيز العقول للتفكير وتطوير الأبعاد المُختلفة في الشخصية الإنسانية؛ البُعد الروحي، البُعد الفِكري، البُعد السلوكي، البُعد الوطني، والبُعد الأخلاقي وفق تقاليد الأُمّة وقيّمها حتى تنهض وترتقي. وهذا الارتقاء ليس مجرّد “كلاشيه” معلوك للتصدير الإعلامي بل هو عملية مُعقّدة، طويلة المدى واستراتيجية في كُلّ المقاييس..
رأس المال الحقيقي في العصر الحالي هو رأس المال المعرفي، بمقدار ما تعرف تملك رأس المال ولو أنك تفتقر للمواد الخام والموارد الطبيعية. فلم تعُد المُجتمعات البشرية في الوقت الحالي تهتم بالكمّ على حساب النوع في مُخرجات التعليم، حريٌّ بِنا الآن أن نؤكّد على قيّم تثمين الوقت والإبداع والابتكار والتفكير الخلّاق في التعليم وتطويره لا تشويهه، لذلك من المفروض أن يكون التطوير بطريقتنا (نحن) وبدوافع وحاجات داخلية، وبآليات وطنية تجمع بين الأصالة والمُعاصرة لخدمة الوطن لا غير، لا خدمة لرأس المال وأصحاب (سوق) المدارس والجامعات الخاصّة على حساب نوعيّة التعليم، وبالتالي هدم الوطن لا بنائه. عدا ذلك سيكون المُجتمع أمام أجيال مُستعدّة فِكريًا ونفسيًا لكُلّ أشكال الإنحراف والتطرّف في الفِكر وفي الحياة، وستتلاشى قيمة الانتماء الوطني لحساب مصالح سوق (بزنسة) التعليم..
ضمن هذه الرؤية المُشوّشة والمُشوّهة محليًا بذريعة تطوير التعليم أضحى الطالب/ة في ظِل ذلك التعليم المُتدهور حاليًا سواءً في المدارس أو الجامعات مَن يدفع الثمن، وأمست مصلحته آخر اهتمامات المسؤولين والمُخطّطين وبشكل بديهي أصحاب بزنس التعليم، أما جيوب الأهل فأمست “مخزوقة” من التكاليف المدرسية والجامعية الباهظة والمُتزايدة عامًا تلو الآخر لِرتق فِتق بطون مالكي (دكاكين التعليم) المتخومة بالدنانير والعُملة الصعبة.
فلا غروَ إذن من الظواهر الاجتماعية السلبية المُنتشرة في المُجتمع بشكل عام وفي المدارس والجامعات على وجه الخصوص إذا كانت البيئة التعليمية هي نفسها الحاضنة الأكبر.
وعليه؛ فبدلًا من لوم الطلبة وتحميلهم أكثر من وزرهم، فلقد وجب الإصلاح الحقيقي في مؤسسة التعليم أولًا وتطوير العملية التعليمية التعلّمية بجميع عناصرها وعلى رأسها المناهج بِما لا يؤثر على (نوعية) التعليم ومُخرجاته؛ فالأخيرة قد تمّ نخرها من قِبل بعض المسؤولين لسوء نية أو سوء معرفة (لا فرق) حدّ التسوس الصريح، فغدونا تحت رحمة ومزاجية مَن يُريدون (الظهور) والتسلّق بادّعاء التميّز في الإنجازات على حساب المواطنين عمومًا والطلبة على وجه الخصوص.
لو كان عملنا تراكمي لا نسفًا للإنجازات السابقة ربما ارتقيّنا في المناهج وفي نظامنا التعليمي الذي يعتمد حاليًا على الكمّ على حساب النوع، وعلى الواجهة الاجتماعية على حساب الخلفيّة الموضوعية الرصينة، تحت شعارات رنّانة طنّانة بعيدة عن الواقع للأسف الشديد..
أقول لهؤلاء (المتلوّنين) الذين يُصفّقون لقرارات المسؤولين ويدافعون عنها دون تمحيص، فقط لأجل الاحتفاظ بوظائفهم ومناصبهم والتقرّب من صُنّاع القرار، وأقول (للمُغرضين) من أصحاب الأجندات الخاصة ومعهم مقاوليّ بزنس التعليم ولخفافيش الظلام كذلك، أن اتقوا الله في أبنائنا وبناتنا الطلبة جيل المستقبل، واتقوا الله في الوطن ومواطنيه، وأوقفوا استنزاف جيوبهم لصالح مافيات السوق وبزنسة التعليم، وراعوا ضمائركم بكلمة حقّ في أولئك المسؤولين، ولا تضلّلوهم عن مسيرة التعليم السديد والحِكمة والقرارات الصائبة؛ فالتعليم الهابط قد يُهدّم وطن وإصلاح التعليم هو صلاح الأُمّة، أما (النفاق الاجتماعي) قصدتموه أو ورثتموه فهو رذيلة كُبرى….
لا مفرّ البتّة أن تتداعى وزارات التربية والتعليم العالي (الآن) أكثر من أي وقت مضى، لإعادة النظر في نظامها الحالي، وإصلاح حالها وأحوالها بصورة تُحييّ آمال الأُمّة وآمال الشباب في نهضة الوطن ووحدته، وفي تدعيم الديمقراطية منهجًا ومُمارسة إن جاز التعبير…
وفي الخِتام نقول،، حين تتعثّر الحِكمة، يحدث ما لا يُحمد عقباه..
حتمًا لنا من هذا “الحقل” حوارٌ آخر وبقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found