كان عامٌ مُفلسًا أخلاقيًا بامتياز، ومتخومًا بحمّى “الابتزاز” والتسلّط ومحاولات السيطرة، على حساب الهوية الوطنية والكرامة الشخصية، كيف لا وقد انهار جدار الأخلاق المُجتمعي كُلّه، وعلى عينك يا تاجر، من تحت ومن فوق ومن جميع الاتجاهات.
وعلى الرغم أنّنا كنّا على وشك الوقوع في مُستنقع السقوط، أثناء محاولتنا التأقلم مع تلك (الضبابية) والفوضى العربية والمحلّية على حدّ سواء، إلاّ أنّنا آثرنا التشبّث في تلابيب (الصبر)، كمحاولة أخيرة لإنعاش العقل من هول الدهشة لِما حصل ويحصل إلى الآن، حتى عجز الصبر عن صبرنا، والله يستر من نفاذ الصبر هذا العام.
كان عامٌ طويلًا جدًا وثقيلًا في ذات الوقت، ومليئًا بالعِبَر، ممّا يحتاج إلى كثيرٍ من (الأقلام)، لا بمِدادها فقط بل بنقائها وإخلاصها للوطن، وتغليب مصلحته على المصلحة الذاتية، أقلامٌ مُدجّجة بحُبّ الوطن وميسورة “بالأخلاق” لا موتورة ولا مأجورة، وما أكثر الأخيرة وما أقلّ الأولى، وبين التخلّي والتحلّي – بالأخلاق – خرّت صروحنا ونُكِأت جروحنا وخارت قُوانا، ويا حسرة عليك يا وطن.
ما نبتغيه في العام الجديد وبيت القصيد، أن يبدأ بالأخلاق العاليّة ولا ينتهي بغيرها، لتُجبر خفافيش الظلام من مُفلسي الأخلاق على الخجل وجلد الذات، لعلّ ذلك يوقف ذيل الإساءات السابقة الكثيرة جدًا للوطن ومواطنيه، “فالشرّ” الذي يقضي على ما يتوّحد عليه المواطنون، هو ما يأتي به المُفلسون، وأعني بِ الإفلاس هنا؛ ليس أولئك المُفلسون بالمال، وإنّما إفلاسهم من أدنى معايير الأخلاق التي تربيّنا عليها، وجمعتنا عقودًا، وميّزت شيمنا العربية قرونًا طويلة.
وكُلّما مرّت الأيام والأعوام تباعًا، ازددنا اقتناعًا بأن المُجتمع يعيش في عديد زواياه إفلاسًا أخلاقيًا مُدوّيًا، وانهيارًا (قيّميًا) مُفزِعًا للأسف الشديد، وجميعنا يرى ذلك يوميًا، ونحن نعبر الطرق سواءً في السيارة أو مشيًا على الأقدام، وفي الشوارع، وفي المولات والأسواق، وفي الأعياد والمُناسبات، وفي المدارس والجامعات، وفي جميع المؤسسات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي كافّة، ونحن نتعامل مع النائب والوزير أو حتى الأجير، فسقطت الرموز والنماذج، وعلت أصابع الاتهام عازفة على وتر المحظور.
وإن غُصنا في تفاصيل المُجتمع، وحتى في (حِراكه) على “الرابع“، ازددنا يقينًا أن (المشروع الأخلاقي) هو وحده الحلّ، وأن أي تغيير مُرتجى وأي إصلاح مُبتغى، لن نحصد ثماره الطيّبة وديمومته، دون تمكين الناس أخلاقيًا، في نفوسهم وسلوكياتهم ومُعاملاتهم وانتماءاتهم، والأهم حاليًا في (حِراكهم)؛ فذلك فقط ما يُبقيه سِلميًا وراقيًا كما بدأ.
وهذا الطريق الأوحد والوحيد الذي سيوقف جميع الطُرق أمام الانحطاط و الإفلاس الأخلاقي، الذي نخر كيان المُجتمع ومكنوناته، ويدفع به نحو القاع دفعًا مقيتًا، ومؤلمًا حدّ إطلاق آهات الحسرة طمعًا في الرحمة.
ولم يقتصر ” الإفلاس الأخلاقي ” على الشارع والعوام بالطبع، وإنّما شاركته (النخب) كذلك، الأمر الذي أفرز مناخًا موبوءًا لم يقدر على كبح جماح الفساد وقلعه من جذوره، رغم كُلّ ما حصل في الوطن ومواطنيه، الأمر الذي أطفأ بصيص الأمل لدى الجميع والشُرفاء مِنهم على وجه الخصوص، لأن فساد (التطبيع) مع الإفلاس الأخلاقي، كان أسهل بكثير من القضاء عليه، فزاد عدد الفاسدين وتعاظمت آثار سوء أخلاقهم على الوطن وأشاوسه، لِصالحهم ولِمكاسبهم الشخصيّة على حساب الجميع، كُلّ ذلك وأكثر حصل في العام الذي مضى، فكسرنا الجرّة وراءه.
وحتى نخرج من عباءة العام المُنصرم بكُلّ ثقله، وندخل هذا العام الجديد بتفاؤل وإقدام، لا بدّ من كثيرٍ من الصدق والمصداقيّة والمصارحة والشفافية والمكاشفة والموضوعية، عدا ذلك فمن المُحتمل جدًا – وهذا ما لا نرجوه ونرنو به لوطننا – فسيُعيد العام المشؤوم نفسه بمأساة أكبر، ويا مغيث..
اكتفيت هنا في “مُعاينة” ذلك العام الذي انتهى بصعوبة ومآسي كثيرة، ومُعاينة تردّداته وانزلاقاته الخطيرة، التي كادت أن تجرف أقدام الوطن نحو الهاوية، راجيةً من العزيز المُقتدر أن ينقذنا من وحل واقعنا، وآملةً أن يكون هذا العام أكثر أمانًا وأقلّ فسادًا، ومُختلفًا كذلك للأحسن إن شاء الله.
وتذكّروا دومًا أن الطعام السامّ (الفاسد) يبقى ضارًّا حتى وإن تم تقديمه في إناءٍ فخم..
إن بقي الطريق في هذا العام كسابقه؛ مُظلمًا ومليئًا بالظلمات – لا سمح الله – سيبقى لنا عندئذٍ من هذا الحوار حديثٌ آخر وبقية…. دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found