الحبّ الحقيقي هو تلك الحالة التي ترفع الشخص وتسمو به إلى الأعلى؛ أعلى فكريًا وأخلاقيًا وإنسانيًا ومهنيًا ووظيفيًا، هذا هو الحبّ. فهو حالة توافقية بامتياز تتراوح بين الانسجام العاطفي والفِكري، والعاطفي هنا هو وليد الفِكري وليس العكس، فيُخطىء مَن يعتقد أن الحبّ عبارة عن مشاعر مُجرّدة من عامل العقل..
وحالة الحبّ (الحقيقي) هي حالة عقلية شمولية، وحالة وعي كاملة، وجاهزية عالية، ومعرفة تامّة للشخص (المُناسب) وفي الوقت المُناسب. وهي بالتّالي تبادلية حتمية مع الآخر في (المُشاركة والاحترام والتقدير والفخر والتسامح والعطاء والقبول والاحتواء والتحمّل في السرّاء والضرّاء، وأهمهم الرحمة المُتبادلة)، ويعترف الشريكان كلاهما من خلال حالة الحبّ الحقيقي الموصوفة هنا أنّهما صنعا أعظم انتصار في معركة الكون ..
فالحُبّ الحقيقي ليس عملية حسابية ولكنّه بالتأكيد مُعادلة صحيحة، فهو يشبه الحياة، المعرفة العقلية والسموّ الأخلاقي تزيد من المُتعة به، وتسقط هنا مقولة (الحبّ أعمى) لأنّها تبعد كُلّ البُعد عن توصيف الحبّ الحقيقي في هذا المقال..
يجب أن لا نخلط بين الوقوع في الحُبّ والحبّ الحقيقي؛؛ فالوقوع بالحبّ أشبه بالنار التي نشعلها من الأغصان النضرة التي تخمد بسرعة، أمّا الحبّ الحقيقي فهو نار الموقدة التي تؤججها قطع الحطب الثخينة، فمن غير المُمكن أن تُخمد أو تنطفىء بسهولة…
تُساعد الخلافات في حالة الحبّ الحقيقي على الخروج من حالة الانصهار إلى اللانصهار بشكل (مؤقّت)، وهذا أمر مُهم لإدراك الفروقات بين الشريكين (وتقبّلها) كما هي على أنّها مصدر بهجة وتجاذب لا تنافر، والتكيّف مع وجودها دون أدنى جُهد للتغيير؛؛ فالحبّ الحقيقي يبرز في هذه الحالة من خلال القُدرة على تخطّي الأزمات وفنّ إدارة الصراع والخِلافات، ويتجدّد من خلالها ثم يتطوّر ويستمر، لأنّه ينمو كنتيجة حتمية للجهود المبذولة من قِبل الشريكين معًا لإيجاد الحلول المُتضافرة للضغوط والخِلافات والأزمات. فهو بلا شكّ علاقة تبادلية مُتكافئة، ليس ساحة معركة فيها رابح وخاسر، أو صراع بقاء بين قوي وضعيف، وإنّما هو علاقة مبنية على التقبّل غير المشروط، والتنازل دون قيود، بالإضافة إلى التفاهم والاحترام والاهتمام..
الحبّ الحقيقي ليس عرضًا تدنو فيه (ساعة الحقيقة)، فيجب تقبّل أن للآخر فسحته السرّية في (الماضي) طالما أنّها لا تؤثر على حاضرهما ولا على (كرامة) الشريك، فإن لم يشأ أيّ مِنهما الإفصاح عن تفصيل ما في حياته السابقة فله كامل الحُريّة، وليس من الإنصاف إجباره، فهذا أمر غير لائق، وبالمُقابل، من غير المُجدي مُمارسة لعبة (الغموض) أو الاختفاء بالغياب غير المُبرّر كعدم الردّ على الهاتف مثلًا، أو توخّي الحذر في الخصوصيات أيضًا، وخصوصًا (الموبايل) !! فذلك يؤذّن بخراب العلاقة أو بهتان بريقها مع الوقت، وإيقاظ الغيرة المرضيّة حدّ الشكّ، ثم يحدث ما لا يُحمد عقباه …
الحبّ الحقيقي هو الامتنان العميق والكبير لفِكرة العيش مع شخص (حيّ) بكافّة تفاصيله والشعور به بِكُلّ معنى الكلمة، وأقصد هنا بالحيّ أيّ من (الحياة)، فتكون اللحظات والسنين بينهما مليئة بالحياة والمُشاركة والسعادة والذكريات الجميلة، لا بطول المُدّة فقط. ويكون (الوفاء) والإخلاص هنا هو الوسيلة الفضلى للإعراب عن إلهية الحبّ وثباته، وقياس إمكانية الارتباط الأبدي المُرتكز على العهد والوعد والميثاق الأخلاقي الخاص ..
لا تصدقوا أن الحُبّ يحدث فجأة دون سابق إنذار ولا يخضع لقانون الأخلاق!! فالمُقدّمات العقلية للحُبّ دائمًا حاضرة، وتسبق دومًا تيار العواطف الجارف إمّا في الوعي أو اللاشعور..
فإذا لم يسمُ بك الحبّ الحقيقي للأعلى، وأشعرك بالسعادة، وزاد إقبالك على الحياة، وطوّرك للأفضل، ومنعك من السقوط (الأخلاقي على الأقل)، وحسّن علاقاتك، وزاد من إنتاجيتك لا يكون سوى وهمًا محضًا لا حُبًّا على الإطلاق. وهذا بالطبع لن يتمّ إلاّ مع (الشخص المُناسب) وفي الوقت المُناسب..
صحيحٌ أنه في الحبّ قد يكون هناك شيئًا من الجنون، ولكن من الضروري أيضًا أن يتولّد من جنون هذا الحبّ شيئًا من الحِكمة..
تذكّروا دومًا أن الحبّ الحقيقي يشمل الحُبّ وأشياء أُخرى، وحتمًا لنا من هذا الحديث بقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found