تلك هي النظرة الدونية للمرأة تمامًا، على الرغم من كل ما أنجزته، وعندما أُتيحت لها الفرصة نجحت في مواقع كثيرة وأثبتت ذاتها، ولكنها ببساطة شديدة تفقد (قيمتها) إن غاب بريق جسدها أو انغلق رحمها، هذه النظرة القميئة للمرأة اختزلتها وإنجازاتها كلّها إلى جسد، وأصبحت (ذات جنسية) لا ذات إنسانية، وغدت مجرد “جسم” لكل مَن لا يحمل من سمات الرجولة سوى “الاسم”.. النساء النساء
هذه المرأة التي أجادت صناعة الحياة بكل تفاصيلها وبحرفية عالية، ولم تحترف صناعة الحروب والسجون والقتل والتعذيب، ناهيك عن براءتها من جرم الفساد الذي قاد الجنسين إلى الشارع، ما زالت تتعرض حتى اليوم إلى الاختزال والتسليع، وموضوع للشهوة والسخرية والاستهزاء، رغم مشاركتها الرجل في الدفاع عن الحقوق والوطن، وفعلت ما عجز عن فعله شوارب بعض الرجال، ويا للعار..
قاد هذا الاختزال الجسدي للمرأة أغلب النساء – غير الممكّنات – إلى التأرجح ما بين قطبين نقيضين، فإما المبالغة لحدّ الهوس في الاهتمام بمعايير الجمال المطلوبة، وإما إهمال الأنوثة تمامًا قد تصل لدرجة احتقارها كما يحتقرها الرجل، وقادتها كذلك العقلية الذكورية المتوارثة، بوعي تارة ودون وعي تارات كثيرة إلى (الاسترجال)، وإهمال أنوثتها حتى لا يُقال عنها أنها أقلّ شأنًا من الرجل، وكأنّ أنوثتها عارٌ عليها، الأمر الذي أدّى إلى إعادة إنتاج “العقلية الذكورية” المخزّنة في “لاوعيها” على شكل مخططات معرفية متأصلة في دماغها، وتنقلها لمَن بعدها كما نُقلت إليها ممن قبلها، وتثبّت من خلال ذلك التناقل (سكيما الأنوثة) الخاطئة، وقد تحارب بنات جنسها ممن يفخرن بأنوثتهن. وتلك الثنائية المتضادة جعلت من حضور الاتجاه النسائي “الوسطي” بين القطبين المذكورين أعلاه نادرًا ومستهجنًا إن وُجِد..
وعلى الرغم من تغيّر الصورة النمطية “نسبيًا” في هذا العصر مقارنة بالأجيال السابقة، إلاّ أننا دائمي التساؤل: كم جيل وكم عقد نحتاج لإعلاء قيم الأنوثة في المجتمع كما نعظّم قيم الرجولة ونمشي على معاييرها؟! السؤال موجه للجنسين بالطبع، فقد نجد نساءً بعقلية ذكورية أكثر تزمتًا لقيم الذكورة من الرجال أنفسهم للأسف الشديد..
يُضمِر حديث وسائل التواصل الاجتماعي اليوم عن جمال المرأة وجسدها خطابًا مستترًا لتقزيم عمل وطني عظيم تقوم به الشعوب المقهورة للمطالبة بحقوقها المسلوبة، فلا يملك المفلسون فكريًا لإحباط أيّ تحرك شعبي وتشويه أيّ عمل عظيم تقوم به المرأة سوى إثارة نقاش أو بالأحرى (لغو) متعدد الأبعاد والمستويات، عن مخالفتها لنسق اجتماعي يفرض عليها الامتثال للتعريف الذكوري لمنظومة الأخلاق (مزدوجة المعايير)، والتي لا يتم تطبيقها إلاّ على المرأة، فيقوم بعض المأجورين بتهييج عواطف العوام من خلال العزف على أوتار “التابو” الحساسة؛ لأن تهمة المرأة دائمًا جاهزة، ودائمًا حاضرة في مخيال المجتمع، وفي كل ما يتعلق في النصف السفلي على وجه الخصوص، كيف لا يحدث ذلك والعدالة الاجتماعية غائبة، ولا يمكن حضورها في ظلّ ثقافة عمومية تسيطر عليها العقلية الذكورية، ويسود فيها ردود خجولة على غرائزية الذكور اللامضبوطة عندما يتم اختزال المرأة إلى جسد، فتصبح هي أساس الفتنة، وهي السبب في إثارة غرائزهم المكبوتة، وهي منبع الفسق والفجور، ولولا هي لما تعرضت للتحرش والاغتصاب، ولباسها وصوتها وحديثها أفرغ الحراك الوطني من قدسيته وسموّ أهدافه، وقائمة الاتهام الظالم لها تطول..
لماذا لا ننظر إلى المرأة صانعة الفكر، بارعة العلم، مؤلفة الكتب والروايات، مربية الأجيال، الحاصلة على الشهادات، شهيدات الوطن، دائمات الحضور في الحراكات، المشاركات في هموم أوطانهن، الواقفات جنبًا إلى جنب مع رجالهن، المعيلات لأسرهن، والأمثلة كثيرة جدًا على نماذج مشرّفة للنساء دخلن التاريخ والجغرافيا من أوسع أبواب الكرامة، أولئك النسوة اللواتي تهمّشن وتم اختزالهن إلى أجسادهن ولم يكترثوا إلى ملء عقولهن ولا إلى ثقافتهن..
لا ننكر أن هناك سلوكات مهينة قد تصدر من بعض الإناث، تمامًا مثلما يصدر من الذكور، فلا يحقّ لنا التعميم كما لا يحقّ لنا وضع أخطاء المرأة تحت المجهر وتعظيمها، واعتبار ذات الغلطة من الرجل هفوة مغفورة، وإنه من المعيب جدًا إهمال التعامل مع عقلها مقابل إتقان الشهوة لجسدها، كفانا فحولة فنريد اليوم رجولة حقيقية، ولا ضير بقليل منها في أقلّ تقدير، رجاءً ركّزوا على عقولكم وتذكروا مكان وجودها في النصف العلوي من الجسد لا في محطّ اهتمامكم “السفلي”.
تلك الاختزالات المشينة والكثيرة للمرأة تخفي في ثناياها هروبًا من مواجهة حقيقة والإصرار على إنكارها؛ بأنها كائن بشري واجتماعي لها حقوق الإنسانية، وبأن لها عقل وفكر وإنجازات لا جسد فقط، وجمالها هبة من الله، فلا تقلبوا تلك النعمة لنقمة عليها كما يفعل مرضى الأخلاق في كثير من الحالات..
الشغف الاستعراضي القبيح الذي يحدث هذه الأيام بتناقل صور وفيديوهات لأجساد النساء وتسليعهن، هو أمر مُهين للذكورة قبل أن يهين المرأة نفسها؛ لأنه يُظهر قبح تفكيره وضعف سيطرته على غرائزه، وإغفاله النساء في عائلته اللواتي قد يتعرضن إلى التعميم والإهانة والاستغلال كما يفعل هو، فهذا قانون الدوران البشري وقانون الكارما، فكما تُدين تُدان ولو بعد حين..
الصراع المحتدم بين الثقافة الذكورية التقليدية وبين الحراك الاجتماعي المتجدّد، أفرز مطالبات كثيرة لصالح الجنسين معًا، كما أبرز الحاجة لدور المرأة كفاعل اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي، ونتيجة لذلك تبلورت الانتفاضات والحراكات الشعبية المطالبية، رغم تشعّب الاتجاهات واختلاف الانتماءات، فما وحّد الجنسين من مختلف الأطياف اليوم هو المطالبة بالحقوق الأساسية التي كفلتها لهما حقوق الإنسانية قبل أن تكفلها الدساتير العربية.
والعلاقة بين الجنسين من الأصل طبيعية، ولكنها باتت علاقات مشوهة وملتبسة يشوبها الغموض، بفعل الإكراهات التي مارستها العقلية الذكورية وما زالت تمارسها إلى الآن؛ لأنه تم اختزال المرأة ليس فقط إلى جسد بل إلى مكوّن هامشي وكينونة ناقصة وأداة للمتع، وكأن المرأة مجرد زينة اقتضاها عالم الرجال!!!
وفي إطار الحديث عن المرأة ودورها في حماية الوطن، لا يستحضرنا في هذا المقام سوى كلمات الشاعر الفلسطيني الفخم “محمود درويش”، فجمعت صوره الشعرية جمالية التوحّد ما بين المرأة والوطن، ومثال على ذلك عندما قال:
“وطني ليس حقيبة، وأنا لست مسافرًا، إني العاشق والأرض حبيبة”..
“الأرض أم أنتِ عندي، أم أنتما توأمان، سيان سيان.. عندي”..
وفي الختام نذكّر الجماهير العربية بأننا كلنا في الهمّ والغمّ شرقُ، وكلنا في النهب سيان سيان، وبدلًا من إضاعة الكرامة كما ضاعت الأوطان، حافظوا على أعراضكم ولا تستبيحوها كما استبحتم أرضكم..
وبدلًا من النظر للمرأة بأنها جسد يُشتهى، انظروا لها على أنها جسدٌ يُحترم، وفكرٌ يوزن بالتقدير..
طالما هناك عقلية ذكورية ظالمة، سواء من كان يتمثلها المرأة أو الرجل، سيتصدّى لها القلم واللسان، وسنصرّ على أن يبقى لنا من هذا الحديث قصص أخرى وبقية … دمتم….
تختزل المرأه في إسعاد الذكر وتتحمل كافة مسئوليات المجتمع ويحظى الذكر بالرياده لتفرغه بعدما القى مسئولياته على المرأه