في وصف (الغوغائيين) قال شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام “حسّان بن ثابت” هذا البيت الجميل:(لا بأس بالقوم من طولٍ ومن عظمٍ، جسمُ البغال وأحلامُ العصافير)، وكلمة أحلام في هذا البيت تعني “عقول”؛ لأنّ العقل – إن وُجد – يضبط غوغائية المرء، ويمنح المشاهدين والمستمعين القوّة لمحاربة (مضرّ الأوطان) الذي ينعق بأبواق الصهاينة ويتبجّح بذلك علنًا..
ومضرّي الأوطان “والمنافيخ” على فاشوش كُثُر جدًا، ومن واجبنا تعريتهم والتهكّم عليهم حاليًا كما استهزأ بهم الشاعر العربي حسان بن ثابت قديمًا، عندما هجى قومه وذمّهم بتشبيه عقولهم بعقول العصافير، كناية عن (ضعفهم) وسفههم، وعلى الرغم من التشابه الكبير في التركيب الدماغي بين الإنسان والطير، ولكنّ الفارق يكمن في الحجم!! وهيهات..
يلوح في أفق الواقع حاليًا ودهاليز المواقع متلاطمة الأمواج (بغال) كثيرة بأبواق فارغة متخمة بالأوهام والهلاوس ومصابة باضطرابات ذهانية حدّ الجنون، ورغم “أحلامها” العصفورية، إلاّ أنها من تقود المجتمع وتحشد الرأي العام بعد بزوغ فجر هذا العالم الأزرق، وسهّلت تلك الطفرة التقنية في شبكة التواصل الاجتماعية “المهمّة” لهم؛ لنشر عفنهم الفكري و تبلّد مشاعرهم ورداءة أقوالهم وأفعالهم، هذا التطور الحضاري التقني لا يليق بهم ولا بأحلامهم-أي بعقولهم- البتّة؛ لأنّ هؤلاء هم من حالوا دون تبلور (الشارع العربي) أن يكون “فاعلاً” ومؤثرًا، وأبقوه (مفعولاً به ومفعولاً فيه ومفعولاً له ثم مفعولاً عليه)، للأسف الشديد..
الأحقاد المشحونة بشحّ الداخل وإغراء الخارج، وبشتّى أنواعها، سواء الكامنة منها أو الظاهرة على الملأ، تتوالى علينا بتسارع مرعب، الأمر الذي توّهنا جميعًا وتاهت معنا “الحقيقة”، فلم نعد نميّز الصادق من الكاذب، الوطني من الخائن، كيف بإمكاننا التمييز ونحن نرى السباق بين الجميع على من هو أكثر وطنية وأكثر شهرة من الآخر، والآن الأكثر صهيونية؟!
لا تُقاس (الوطنية) بنشاطها الزائد على صفحات التواصل الاجتماعي، أو الثرثرة على الفضائيات وتلميع الذات، ولا الكتابة “المأجورة” من قِبَل كتّاب التدخل السريع الطارئين، كل ذلك لا يمكن أن يرقى أبدًا لمستوى جلال “المشهد العربي” الحالي ولا خصوصية الموقف الوطني الخاوي، وعدم المشاركة بتلك “الثرثرة الغوغائية” ونشر الأفكار (الإلحاحية) لا تعني أنّ الباقي أقلّ وطنية، وهنا نتساءل لمصلحة مَنْ تمّ تحريف البوصلة وحرفها، وتشويه العقل الجمعي، وتزييف الوعي، وتسطيح الوطنية؟؟!!
اعتقد أنه من واجبنا جميعًا اليوم (رصد) الآراء والمواقف لما قبل وما بعد أي حدث أو تغيّر نشهده، لردع كل من تسوّل له نفسه بفعل ما يروق له والتقيّؤ بما يحلو له دون مراعاة لسمعة وكرامة الوطن ومواطنيه، وحتى نضمن كذلك عدم “التجاوز” في أقل تقدير، وحتى يصبح بإمكاننا أيضًا أن نرصد (التلوّن) في المواقف الموشّحة بجميع ألوان قوس قزح حسب المصالح الشخصية الضيقة، فكلّ ذلك وأكثر يتمّ على حساب كرامة الوطن واستقراره..
ونقول الآن وليس غدًا لأجساد البغال وأحلام العصافير ولمضرّ الأوطان، ولمدّعي الوطنية (الشوفينية) المتغطرسة، ذات المعتقدات المغالية والمتعالية، التي تتعامل بعنجهية عند الاختلاف مع الآخر وسرعان ما يتحول لخلاف مفتون، نقول لهم جميعًا، في الواقع والمواقع، أنّ قدر الإنسان وقيمته بأفعاله لا بأقواله، وأنّ حبّ الوطن يكون في “الشدّة” قبل الرخاء، والمواطن (الحقيقي) الذي يضرب جذور محبته في جوف وطنه هو الذي يحرص عليه ويرتقي به، ويرفع أسهم الوطن ليحلّق به عاليًا في كبد السماء، ويبعد كلّ البُعد عما يُظهر وطنه بصورة قبيحة تحطّ من شأنه ولا تمثّل الجوهر الحقيقي للوطن ومواطنيه..
ليس عيبًا على الإطلاق المطالبة بالحقوق ومحاربة الفساد والمناداة بالعدالة، بل (العيب) هو عندما تُمسي تلك الحقوق والمطالب بمثابة “الجسر” المهترىء للانقضاض على الوطن وتشويهه لتصفية حسابات شخصية ولمصالح ضيقة الأفق، ولمصلحة الطامعين من الصهاينة وأعوانهم في ذات الوقت، هذا هو مكمن التمييز بين الحق والباطل، ولا يميّز ذلك سوى الإنسان ذو العقل الكبير لا بأحلام العصافير كمضرّ الأوطان..
الوطن اليوم، “العربي”، الكبير أو الصغير، لا فرق، بحاجة إلى وطنية (عقلانية)، لا “شعاراتية” كتلك التي يرفعها البعض لغوًا للتمويه والخداع لا أكثر، والوطن الذي نرنو له من يحتوي الجميع بدرجة واحدة دون فرق بين مواطنيه، ويكون الانتماء للمصالح (المشتركة) المبنية على تاريخ مشترك، فقط..
انزعوا عباءة الوطنية “المفتوقة” عن أجسام البغال إلى أن ترتقي عقولهم عن أحلام العصافير، ربما نستطيع بذلك رتق الفتق الوطني الذي شقّوه، واستروا عورات الوطن..
ومن السخرية والعار كذلك، ترك الحصان وحيدًا في ساحات الوغى، وأخذ موقف المتفرج الشامت، والتعامل بعقلية (المزاد) لمن يكسب أكثر، كما يفعل القنّاصون والمزاودون المتصهينون والردّاحون حاليًا، وتذكروا أنّ أمن الوطن (الكبير) ومواطنيه فوق الجميع، وسيادته هي سيادة للجميع..
والمرساة الخفيّة الراسخة التي تربط سفينة عواطفنا بمراسي أرض الوطن؛ هي حبّ الوطن الحقيقي لا التشبيحي ولا (المتصهين)، هكذا يكون الانتماء والولاء الفعلي لتراب الوطن، وغير ذلك هو محض خرافة..
وأخيرًا، أختم بكلام الله تعالى لمن وصفناهنم هنا أعلاه، فقال في كتابه الكريم:
(أم تأمُرُهم أحلامُهُم بهذا أم هم قومٌ طاغون)
صدق الله العظيم..
لمضرّي الأوطان حوارات أخرى وبقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found