في الذكرى الثالثة بعد العقد السابع لنكبة فلسطين، تأتي هذا العام “ذكرى النكبة” بنكهة مقلوبة بطعم النصر لما فعلته صواريخ المقاومة العظيمة من دحر للكيان الغاصب، وهزّ صورته أمام العالم بعد أن كان يراه (موهومًا) بأنه لا يُقهر، ولكنّ أسود فلسطين ورجالها وصمودها التاريخي الجبار كسرت شوكته ودكّت قلعته، فتحولت ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني سيئة الذكر السنوية إلى التاريخ الأول الجميل لنكبة الصهاينة وأعوانهم من المطبعين وصهاينة العرب بعد هزيمتهم الساحقة التي ألحقتها بهم المقاومة الفلسطينية..
وإضافة إلى الأحداث المفصلية الثابتة والكثيرة جدًا على الخط الزمني الطولي في تاريخ العرب، التي تقسم الحياة والزمن إلى ما قبل الحدث وما بعده، زمن انتهى وزمن ابتدى، أُضيف قبل أيام قليلة ماضية حدثٌ مفصليٌّ جديد هو الأجمل على الإطلاق في يوم ذكرى النكبة (نكبة فلسطين) التي حدثت قبل سبعين عامًا ونيف؛ فأضحى الحدث المفصليّ (الحديث) المقترن بالعرب عمومًا وبفلسطين خصوصًا هذا العام هو إعادة القضية الفلسطينية في نبض الشعوب العربية مرة أخرى، على الرغم من الجهد الخارق الذي بذله الصهاينة العرب من تعتيم وتشويه لها ومحوها من ذاكرة العرب ومن مناهج التعليم العربية، لا بل عملوا أيضًا على (تزييف الوعي العربي) وكيّه، بالإضافة إلى قلب الحقائق لصالح الصهاينة من خلال “التطبيع” القميء، ولكنّ الأحداث الدائرة الآن في جميع مناطق فلسطين المحتلة قلبت المعادلة، وغيّرت الموازيين، وخربطت الخطط، وأعاقت صفقة القرن لصالح الشعب الفلسطيني والأحرار من الشعوب العربية.
فقد كان بعض العرب المتصهينين مُجبَراً بضم الميم وفتح الباء – أي مغصوبًا – والباقي مُجبِرًا بضم الميم وكسر الباء – أي مغتصِبًا – فاغتصبوا الأرض واستباحوا العرض بثمن بخيس، ولكن النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية على أرض الواقع خذلتهم وعرّتهم وفضحتهم أمام شعوبهم، فلا نالوا عنب الشام ولا بلح اليمن، وسُجّلت أسماءهم العفنة في تاريخ أسود سيُوثّق في صفحات الكتب ليراها أحفادهم، فيمزّقوا الصفحات المكتوبة أسماء أجدادهم المطبعين فيها بعد البصق عليها..
ومن المعيب اليوم ومن المحزن أيضًا أنه على الرغم من المِحَن المتلاحقة التي مرّت على الأمة العربية وما تزال، إلاّ أنها لم تدفع عقلائها ولا حتى حكمائها إلى مراجعة الأخطاء التي أوصلتنا إلى هذا الحدّ من الوهن والذلّ العربي والمستنقع الدموي والسياسي القبيح؛ فغدت العروبة وصمة معيبة بشكل موجع بعد أن كانت وسامًا مدعاة للفخر والاعتزاز ؛ فخرجنا من التاريخ بمآسي ومهازل تاريخية وبلا عودة، إلاّ أنّ فلسطين وشعبها اليوم سيعيد الكرامة العربية المسلوبة إلى أهلها، بدفاعها المستميت عن شرف الأمة ومقدساتها بأسلحة بسيطة أمام أسلحة متطورة جدًا، ولكن الفرق في النصر يكمن في إرادة الشعب الفلسطيني وعزيمته التي لم تتزحزح عن صمودها قيد أنملة، أضف إلى ذلك عشقهم للموت ونيل الشهادة دفاعًا عن القدس بكرامة بما يعادل عشقهم للحياة بكرامة أيضًا..
الرهان كان طيلة السبعة عقود وما زال إلى الآن لإنقاذ القدس وتحرير الأقصى الأسير وردّ الأرض والبيوت إلى أصحابها هو على شعب فلسطين العظيم وشعب غزّة العزّة على وجه الخصوص، على الرغم من الثمن الباهظ الذي تدفعه يوميًا من دماء شهدائها البواسل الأبرار، نحن معكم أيها الشعب الجبّار وأيها الأبطال الأشاوس، أنتم تقاومون بحجارتكم وأحذيتكم وطياراتكم الورقية وصواريخكم البدائية، ونحن نقاوم بكلماتنا وأقلامنا وذلك أضعف الإيمان وما باليد حيلة..
وبعد كل المهازل العربية وغياب المصداقية الدولية نقول نحن أحرار العرب جميعًا بكل حزم أنّ (اللاّ) المطلقة الجازمة هي الجواب الآن؛ لا للمفاوضات، لا لتصفية القضية الفلسطينية، لا للوطن البديل، لا لوطن غير فلسطين من البحر إلى النهر..
وفي المقابل، نقول النعم ونعم مطلقة، فقط، (للمقاومة) حتى بعد ألف عام ضد الاحتلال والعدو الصهيوني الغاصب الغاشم الحاقد…
وحريٌّ بالحكومات العربية اليوم أن تتعامل مع الدفاعات النفسية الشعبية بدرجة عالية جدًا من (النضج) والتمحيص بمستوى الرفض والغضب الشعبي لما حدث في القدس وما يحدث في غزّة وفي الضفة وفي الداخل الفلسطيني، كيف لا وهي من المفروض أن تمثّل الوطن بمواطنيه ومؤسساته ومقدّساته ومصالحه ولا تغامر لا بمستقبله ولا حتى بتاريخه !!!
ولا بدّ أن نعرّج في هذا المقام على ما قيل عندما انتفض أسود القدس في هذه الانتفاضة المباركة الدائرة رحاها في باحات المسجد الأقصى كانت هتافاتهم تقول “عشان الله يا غزّة يلاّ”، ولبّت غزّة النداء، وعندما انتفضت غزّة العزّة كانت هتافات مجاهديها تقول “عشان الله يا ضفّة يلاّ”، ولبّت الضفة النداء، وعندما انتفض رجال الضفة كانت هتافاتهم تقول “عشان الله يا داخل يلاّ”، ولبّى فلسطيني الداخل النداء..
والآن كل فلسطين برجالها ونسائها وأطفالها وشهدائها تهتف وتقول ((عشان الله يا “عرب” يلاّ)) فمتى ستلبّون النداء ؟؟!!
القدس تناديكم، الأقصى يناديكم، غزّة تناديكم، الضفة تناديكم، الداخل يناديكم، الكرامة تناديكم يا عرب..
الشعب العربي يا حكوماتنا العربية حاليًا يريد توليفة – لا أدري ما هي – تعمل على دمج الغضب مع (الحكمة) دون انتحار أو استسلام أو جلد لكرامة الوطن العربي ومواطنيه..
وفي خاصرة العرب (المطعونة) فلسطين دائمًا وأبدًا يكون لنا قولاً كثيرًا آخر وبقية… دمتم….
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found