المجتمع الأردني يعاني من الاحتراق النفسي؛؛

386 مشاهدة

على الرغم أنّ الملامح العامة للمجتمع الأردني تشي بالاحتراق النفسي، والإجابة معروفة مسبقًا، إلاّ أنّ التأكيد قد جاء بعد استطلاع افتراضي للرأي على بعض تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وذلك من خلال الإجابة على سؤال “هل تعاني من الاحتراق النفسي؟!”


وتمّ كتابة عشر نقاط للأعراض العامة، فإن حصل المستجيب على خمس نقاط فما فوق فهذا يعني تأكيد إصابته بالاحتراق النفسي، وحقيقةً لم تكن الإجابات صادمة بعد رصد المؤشرات السيكولوجية للمجتمع الأردني من خلال البوستات والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، وبناءً على الإجابات اتضح أنّ ٨٥٪؜ تقريبًا من العينة العشوائية الافتراضية تعاني من (الاحتراق النفسي) فكان الأغلبية يُجيب بأنه يعاني من الأعراض العشرة وربما أكثر، وبعدهم مباشرة من يعاني ما بين (٥-٨) أعراض، وقلة قليلة أجابت بأقل من خمسة أعراض.


وهذه الأعراض العامة للاحتراق النفسي التي تم استطلاعها:-
-١-ضعف الشهية،تعب،إرهاق،وشعور بالعجز.

-٢-اعتبار الحياة لا تُطاق والتشكيك بقيمتها،وفقدان الاهتمام برضا الآخرين أو زعلهم.

-٣-عدم الاستمتاع بأي شي حتى ما كان يسعدك في السابق لم يعد ذات النكهة.

-٤-سرعة الانفعال حتى على توافه الأمور.

-٥-نفاذ الطاقة ونقصان القدرة وقلة الحيلة، وفقدان الاهتمام بالعمل.

-٦-قلة الاكتراث بكل شيء وعدم الاكتراث بالمحيط من الناس والأشياء والسخرية منهم.

-٧-المزاج المعتلّ بشكل دائم.

-٨-فقدان الدافعية وغياب الحماس للحياة.

-٩-قلة الإنجاز وصعوبة وبطء في إنجاز المهام ذاتها.

-١٠- إنهاك دائم للبدن والنفس والروح بسبب الضغوط ذاتها ووجود الاستنزاف الانفعالي.

أما عن تعريف “الاحتراق النفسي” فيعني الذوبان والانطفاء رويدًا رويدًا من أجل الآخرين أو بسببهم، وبسبب ضغوط الحياة وأعباءها اللاّمتناهية، فتهلك النفس والجسد من الجري نحو توفير أساسيات الحياة، فيضيع العمر من أجل لقمة العيش فقط، ويشعر المحترق نفسيًا حينها أنه يحرق نفسه ليعيش غيره في ترف ويبقى هو وقودًا لهم.

يرافق الاحتراق النفسي كذلك العمل في بعض المهن التي تتطلّب تركيزًا عاليًا، وتحتاج إلى جهد فكري ونفسي كبير، وفيها ضغوط كثيرة ومسؤوليات واسعة والمسمّى الوظيفي لها غير معرّف ولا محدًد، حيث يقوم الموظف بمهام مديره في العمل ومتطلبات بيت مديره وكل المهام التي يقوم بها خمس موظفين وربما أكثر دون مقابل أو تقدير في الحدّ الأدنى.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّ عمل الأم في المنزل وخارجه غالبًا ما يصيبها الاحتراق النفسي..

ولا بدّ من التوضيح هنا بوجود فرق بين الاحتراق النفسي والاكتئاب؛ لأنّ مريض الاكتئاب يلازمه فقدان الثقة بالذات والشعور بالذنب؛ لذلك المريض يلوم ذاته باستمرار، أما الاحتراق النفسي تبقى صورة الذات في الذهن كما هي فيلقي اللوم على الآخرين لا على نفسه، ويعلّق السبب في تعبه إلى المحيط والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة، ولكن وجود الاحتراق النفسي واستمرار تفاقمه حتمًا يقود إلى الاكتئاب.

وبناءً على النتائج الواردة أعلاه لا بدّ من تحرّك المسؤولين عن الصحة في الوطن وضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والمجتمعية كما الصحة الجسدية، فكلاهما هام للإنسان وللوطن، وضرورة القيام بالإصلاح النفسي الثقافي الاجتماعي بذات المستوى من الإصلاحات الأخرى الاقتصادية والسياسية، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، عدا ذلك سنشهد انتشار اضطراب الاكتئاب وما يسببه من حالات الانتحار أكثر مما هو عليه في المجتمع الأردني وبجلاء.

وحسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية في هذا العام ٢٠٢٣ فإنّ ٥٪؜ من البالغين في العالم من الجنسين يعانون من الاكتئاب، والاكتئاب بدوره يقود إلى الانتحار حيث يموت كل عام (٧٠٠٠٠٠) شخص منتحرًا، ويعتبر الانتحار رابع الأسباب للوفاة في الفئة العمرية ما بين (١٥-٢٩) في العالم، وإن أمعنّا النظر في حالات الانتحار الأخيرة -المعلن عنها بالطبع- في المجتمع لوجدناها تتشابه نسبيًا مع هذه النتائج.

حمى الله الأردن والشعب الأردني العظيم القابض على جمر الصبر وبرّد عليه نيران “الاحتراق النفسي” غير الصديقة..
دومًا لنا من هذا الحديث قصص أخرى وبقية…

الدكتورة عصمت حوسو
رئيسة مركز الجندر للاستشارات الاجتماعية والنفسية والتدريب

Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found

اترك تعليقاً

Don`t copy text!