ماذا تتوقعون من الشعب عندما يرى سياسيّي الوطن يستثمرون في العقار أكثر من الاستثمار في بناء المكتبات والمدارس ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يرى السجون في وطنه تتوسع، ويُكلّف السجين الحكومة أكثر ما يُكلّفها طالب العلم ؟؟ وعندما يحظى السجين بحقوق لا يحظى بها الحُرّ الشريف ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب المحروم من السياحة الداخلية في وطنه (لغلائها)، ولا يجد مكانًا مُحترمًا فيها حتى لتلبية حاجة “بيولوجية” في زمن غزو الفضاء واستعمار المريخ ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يموت الكِبار فيه في صمت مُريب دون مراسيم عزاء – على قد المقام – ولا حتى إحياء ذكراهم على منوال ما يحدث عندما يغادر فيه أحد فاسديّ الوطن مثلًا ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما (يفتقد) رِجالات الدولة من الطراز الرفيع وحُكمائها وعُقلائها في وقته العصيب ولا يعرف مصيره ولا حتى مصير وطنه ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الجائع الفقير الذي ينتظر مواسم الانتخابات ليتذوق اللحمة المحروم مِنها والكُنافة ليعطي صوته لِمَن يطحنه كُلّ يوم ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي ينتقد أداء الحكومات ونهجها وهو أول المُهنئين والمُسحّجين لها ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي يتغنّى بمؤخرة هيفاء وهِبة ولا يعرف مُقدّمة ابن خلدون؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي كشف عورة المُثقّفين ثم قدّس ثقافة السُلطة وقزّم سُلطة الثقافة ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي يبحث أهل العِلم فيه عن المعلومة عند (عمو جوجل) وابتعدوا عنها في عُمق البحث العلمي والإنتاج الثقافي ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يرى مدارسه وجامعاته مسرحًا لتفريغ العُنف والتنمّر ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يرى ميزانية مهرجان جرش – رغم أهميته – تفوق ميزانية البحث العلمي في مؤسساته ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يرى صاحب المِهنة يكسب أضعاف صاحب الشهادة والأُستاذ الجامعي؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي وقع في غرام المسلسلات التركية التي لا يُتابعها أهل تركيا أنفسهم ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب عندما يُهان المُعلّم في بلده ويُمسي مثارًا للنكت والضرب ويعيش على القروض ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي يُتابع (المونديال الروسي) وهو يعلم أن صفقة القرن أوشكت على الانتهاء ويؤجل اعتراضه عليها بعد انتهاء مُباريات كأس العالم ؟؟
ماذا تتوقعون من الشعب الذي يُنادي في الديمقراطية ولا يتقبّل لا الآخر ولا حتى رأي الآخر ؟؟
ماذا تتوقعون من الشَعب عندما تصبح الإشاعة أداته ولعبته المُفضّلة لتفريغ الحقد والحسد بالافتراء على الآخر والتربّص به وحياكة المؤامرات والدسائس له ؟؟
ماذا تتوقعون من الشَعب الذي يقضي يومه وربما ليله على وسائل التواصل الاجتماعي ويعتمد القذف والسبّ حِرفة، والمكر والكيد طريقة، والتشهير والتهكير أسلوبًا، والمُراقبة تكتيكًا ؟؟
بكُلّ ما سبق ليس ببعضه، ماذا تتوقعون الآن من حكوماتنا يا شعب بعد كُلّ النماذج السابقة التي تملأ وطننا الكبير والصغير ؟؟
فكما تكونوا يُولّى عليكم؛ ولا تستهجنوا إذن عندما تصبح السياسة مِهنة مَن لا مِهنة له، ولا تستغربوا كذلك إن أتقنوا فنّ الرقص من جيوبكم وعلى حسابكم وربما على أشلائكم..
هل تتوقعون منّا أن نفهم هذا الفصام الجماهيري بسهولة دون أن نُصاب بالغثيان أو دون أن يبتلعنا (الزهايمر) ونحن ما زلنا في مُقتبل العمر؟؟ هل تتوقعون أننا نستطيع علاج هذا الفصام بسهولة ؟؟
كثيرة جدًا هي التوقّعات، ويأتي الخذلان بحجمها من الجميع دون استثناء. وبعد كُلّ التوقّعات هذه وتلك، أصبح من المؤكد الآن دون أدنى مجال للشك أن (الإفلاس الحضاري) لا فقط الأخلاقي هو ما يُميّزنا؛ فالأُفق مسدود وعصر الرداءة هو فقط الموجود..
اعتقد ولست أجزم الآن أن المجتمع يُعاني موتًا (إكلينيكيًا)، وأننا نعيش في مُجتمع مليء بالأمراض النفسية والمُجتمعية، وأننا بحاجة إلى المزيد من المصحّات النفسية، يبدو أن مستشفى الفحيص للأمراض النفسية ولا حتى مستشفى الرشيد تكفي..
وبما أنه لا مفرّ أمامنا من هذا الواقع القبيح ولا بدّ مما ليس منه بدّ، إذن لا بدّ كذلك أن يكون لنا من هذا الحديث بقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found