لا أجمل من كلام الله تعالى استهلّ به هذا المقال:
”فاستخفّ قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين، فلمّا آسفونا انتقمنا مِنهم فأغرقناهم أجمعين”..
كان اللعب سابقًا بالمستور؛ فلم يشعر المواطن المُثقّف قبل البسيط بالاستخفاف (الصارخ) كما يشعر به الأطفال الآن قبل الكبار، الاستخفاف في العقول واللعب في الشعوب عالمكشوف في الساحة (المحلّية) وفي “سوق الخردة العربية” هو الطاغي حاليًا للأسف الشديد ..
ليس من المعقول ولا حتى من المقبول ونحن في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وعصر الانفتاح الثقافي، والانبطاح الافتراضي، وسرعة انتشار المعلومة، ويُمارس علينا اليوم تمرير “الأجندات” بتلك الطُرق السخيفة ذاتها التي لا تنطلي على أي كائن آخر قبل بني آدم، فاحترموا عقولنا يا سادة، مش لهالدرجة الاستخفاف ..
في العصر (الترامبي)، وجنون الأحداث العالمية والعربية وتسارعها، لا نستبعد أبدًا انتقال “الهيستيريا” الترامبية لنا أيضًا؛ فربما عدوى سلوك (جنون العظمة) هي السبب في الاستخفاف في العقل العربي.
هل تذكرون الدراسة التي قام بها مجموعة كبيرة من أشهر الأطباء النفسيين عندما تولّى الرئيس الأمريكي الأخير زمام حُكم العالم قبل حُكم بلاده؟؟ هل تذكرون نتائج تلك الدراسة التي انتشرت في كتاب بعنوان ” دونالد ترامب وتشخيصه الخطير” كان الأكثر مبيعًا آنذاك؟؟
هل تذكرون أيضًا كتاب “المعتوه” الذي ألّفته (أوماروسا نيومان) المساعدة السابقة في البيت الأبيض؟؟
الهدف من تذكيركم هنا هو معرفة سيكولوجية مَن يحكم العالم ويحكمنا الآن، ورغم ذلك لا يجرؤ الاستخفاف بشعبه كما يستخفّ في ذهنيتنا العربية. فهل انتقلت تلك العدوى للأوطان العربية بهذا السفور وفقًا لمقولة ابن خلدون ”إن المغلوب مولعٌ باقتداء ثقافة الغالب” ؟؟ لأنه هو يستخفّ في العروبة والأخيرة تستخفّ بشعوبها، ورقصني يا جدع…
الاستخفاف بالآخرين هو استعلاء، وهو حقيقةً لا مجازًا (عاهة نفسية) تتلبّس مرضى “الزعامة” والسُلطة، وتُولّد لديهم (ذات خيالية)، تتشابه في أعراضها مع ذلك المُصاب بالهلاوس السمعية والبصرية وعُقدة ”الفوقية”، حيث تقود الأخيرة الشخص للشعور بداء ”العظمة” إلى الحدّ الذي يرى جميع من حوله (أقزام)، أمّا الحقيقة فهي لا تتعدّى فِكر المجانين الذين يظنون إنجازاتهم العظيمة (المزعومة) تمنحهم الحق في احتقار مَن هم دونهم – سلطةً لا شأنًا -، والاستخفاف بهم، اعتقادًا منهم أنّها (وجاهة) ولكنّها في جوهرها (بجاحة) وربما أكثر، وفعليًا فإن كُلّ ما صنعه هؤلاء المُستخفّون لا يتعدّى حدود السراب، وهؤلاء ذاتهم يا سادة باتوا يستخفّون بعقولنا،، ويا لعارنا…
طمس الحقائق وتلوينها حسب المصالح هو ليس فقط استخفاف بالعقل العربي، وإنّما هو جريمة بحق “الجين البشري” كذلك، ونحن وإن اعتدنا على انتهاك حقوقنا، وتشويه ماضينا، وتزوير تاريخنا، لكنّنا لن نقبل على الإطلاق زيادة جُرعة الاستخفاف لدرجة تزوير الواقع الذي نحياه، ونسمع ضوضائه يعزف بنشاز على أوتار آذاننا، ورغم كُلّ ذلك لم نُصاب بالطرش بعد، ولم نُصاب بالعمى أيضًا، ونحن نرى ونبصر تمامًا كيف تُدار الأمور وتُدوّر المناصب، وساكتين كرمال عيون الوطن، لكن أن تطلبوا منّا الإصابة (بالتخلّف العقلي) قسرًا، فهذا خارج عن قُدراتنا وبالعامية كتييرر هيك، بمعنى أن جلّ ما نطلبه في الحدّ الأدنى هو مُخاطبة عقولنا بحجج منطقية عند أي حدث يُذهب العقل من هوله، أليس هذا من حقّنا يا كِرام؟؟
فإن ما يجري الآن من أحداث محلّية وعربية “مُذهلة” يجعلنا نصرخ إكرامًا لعقولنا؛ مش لهالدرجة الاستخفاف !!
خاطبوا عقولنا يا جماعة، نحن ما زلنا شعبٌ عربيٌّ واعٍ ، وما زلنا نُفكّر ونستوعب على فكرة، وليس الجميع يمشي على نهج ثقافة القطيع..
ونضيف هنا ليس كُلّ الشعب مُصاب بسطحية التفكير وضحالته، ولا تنطلي تلك السذاجة على الكُلّ كما لا يُجيد الجميع سُرعة الاقتناع؛ فلا تخاطبونا وكأنّنا شعوب العصر الحجري، لا تجعلوا من حججكم وتبريراتكم وتحليلاتكم هزيلة وتتميّز بالشطط، حتى لو صدقوكم ذوي العِلم والشهادات قبل ذوي الفقر والبسطات؛ فلن تلقى طروحاتكم رواجًا طالما تستخفّون بعقولنا أو العقول الواعية في أقل تقدير، كفاكم وكفانا خيبة..
لا أدري من علّم الغرب أننا سُذّج لهذا الحدّ حتى يستغلّنا نحن العرب في ثوب الغفلة..
تذكروا جيدًا أن الأحداث “الساخنة” جدًا لا يمكن أن تندثر وتنطوي في عالم النسيان في العقل العربي، واعلموا كذلك أن الذي يصرّ على هذا الاستخفاف سيُصعب عليه مجانبة الصواب وسيشرب من وحل الخطأ بالمغراف..
لا يسعني هنا أن أختِم سوى ببعضٍ من كلمات أحمد مطر عندما قال:-
”قال أبي؛ في كل قطرٍ عربي إن أعلن الذكي عن ذكائه فهو غبي”..
بكيتُ وما على نفسي، ولكن، على وطنٍ مُضامٍ مُستهان …
ولقصة الاستخفاف حديثٌ آخر وبقية… دمتم…
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found