ليست كلماتي في هذا المقال عن (متلازمة القلب المكسور) مجازية إطلاقًا، وإنما هي حقيقة رصدها العلم بدقة دون أن يعرف لها سببًا واضحًا ولم يجد لها تفسيرًا قاطعًا، لذلك تجلّت الحيرة في الاتفاق على تسمية واحدة تصف هذه الظاهرة بدقّة، حيث ينكسر القلب بالفعل على مستوى مادي في الواقع عندما يتعرض للوجع أو القلق الشديد، وهذا ما يسمى في التوصيف الطبي ((متلازمة القلب المكسور))، وأسميناها هنا بِ “الوعكة العاطفية” التي تسبّب كسور في القلوب لا يمكن ترميمها بسهولة، وإن استطعنا ذلك لن تزول آثار الكسر على مدى الدهر..
متلازمة القلب المكسور حالة مرضية ونوع من أنواع مرض اعتلال عضلة القلب، فيحدث ضعف مفاجىء ومؤقت في عضلة القلب كنتيجة لآلام عاطفية شديدة بعد معاناة فقدان أحد الأحبّاء، سواء بسبب الموت أو الطلاق أو الخيانة أو الانفصال أو المرض، وغير ذلك من الأحداث الصادمة التي تسبّب الشعور بوجع القلب حقيقةً لا مجازًا. ومن حسن الحظ أنّ من يُصاب به يشفى دون حدوث أضرار بعيدة المدى على القلب..
وتظهر أعراض “متلازمة القلب المكسور” بعد أن يمرّ المصاب بضغوط نفسية وجسدية مرهقة، ويتم تشخيصها في البداية بشكل خاطىء على أنها “نوبة قلبية”؛ لأنها تتشابه مع أوجاع وأعراض وآلام الأخيرة، مثل ألم الصدر وضيق النفس، ولكن بعد الفحص الدقيق تظهر الشرايين التاجية سليمة تمامًا لا ضيق فيها، ولا معالم جلطة، على الرغم أنه يتخللها فترة تعاني فيها عضلة القلب من نقص في الدم الوارد إليها، الأمر الذي يُحدث تلفًا في خلاياها ويقودها إلى فشل مؤقت في أداء مهامها، ويختلط الأمر على الطبيب في البداية، ويبدو الأمر له محيّرًا للغاية؛ بسبب وجود الشرايين سليمة لا أثر فيها لضيق أو اختناق، وفي كل الأحوال فإن الشيء الثابت غير المحيّر هو أن كل هذه الأعراض تظهر إثرَ التعرّض لأزمة نفسية شديدة أو صدمة عصبية مريرة، أو بعد وقت عصيب مسكونًا في الألم والتوتر، الأمر الذي يسبّب تفاعل القلب مع ارتفاع هرمونات الإجهاد، وحدوث تدفّق مفاجىء لهرمونات الضغط النفسي ومنها “الأدرينالين” التي قد تُؤذي قلوب بعض الأشخاص بشكل مؤقت، وهي حالة نادرة يُصاب فيها القلب بالفشل بصورة فجائية، وتكون أعراض متلازمة القلب المكسور قابلة للعلاج، وعادةً ما تعكس الحالة نفسها في غضون أيام أو أسابيع..
ولو دقّقنا النظر بمن حولنا، فكم من قلبٍ مكسور سنجد فينا، سواء كسرناه بأيدينا نحن أو سمحنا لغيرنا بكسره، أو ربما كُسِرتْ قلوبنا دون أن ندري أو نتوقع ذلك، وعلى أيّة حال لا نملك إلاّ أن نقول طوبى لمن سكن القلب وأحسن سكناه، ولا عزاء لمن لم يحسن سكناه وكسره ثم تركه في خراب..
ينبض القلب مئة ألف مرة في اليوم، ويضخّ ألفي غالون من الدم عبر نظام معقّد من الأوعية الدموية يصل طوله لستين ألف ميل إذا ما مددناه على الأرض من بدايته إلى نهايته، مما يعني أنه يفوق محيط الكرة الأرضية بمقدار الضعفين.
وقد آمن المصريون القدماء بأن القلب يحيا بعد الموت، ويخوض محاكمة في الآخرة للحكم في أمر الإنسان الذي كان يمتلكه. وكانت السعادة أيضًا تعني حرفيًا بلغتهم (اتساع القلب)، أما التعاسة فكانوا يسمونها بلغتهم بما يعني (القلب المبتور) أو (القلب المسخ).
هناك العديد من الحضارات القديمة والحديثة تعتبر القلب مكمن الروح ومستقرّها، فتوجعنا قلوبنا حين نقرأ قصة طفل مفقود مثلًا، أو حين ينتهي الحبّ في قصة ما نشعر بأنّ قلوبنا قد كُسرت، وبعض القلوب تنكسر فعلًا في حالات موجعة، كأن يكون حبّ من طرف واحد ويرفضه الطرف الآخر، أو حين الشعور بالخزي لسلوك خاطىء مثلًا، أو عند الشعور بالتجاهل وأن الآخر لا يكترث ولا يسأل ولا يهتم، ففي تلك الحالات وعلى شاكلتها الكثير يضيق القلب وكأنه ينكمش على ذاته ويتقلّص. وفي المقابل، تنفتح قلوبنا بقوة عندما تنوء من ثقل الضغط المفروض عليها، سواء كان هذا الضغط نابعًا من حبّ شديد أو معاناة شديدة، فتنفتح قلوبنا وتتوسع ولا تعود لحالها القديم أبدًا..
وبما أن معالجة العواطف تتم في الدماغ، فإن المرض يظهر عندما تتراكم الأفكار السلبية الموجعة فيه بطريقة تؤثر على القلب، لذلك نظفوا أدمغتكم من سموم الأفكار الناجمة عن الأحداث المؤلمة أو الخذلان من الأشخاص، حتى لا تنكسر قلوبكم، فلا يؤلم الجرح إلاّ صاحبه، وهل هناك وجعًا أقسى من انحباس الكلام بين الفم والحنجرة، فلا كتمانه ولا البوح به يُريحنا؛ لأننا لن ننال سوى “الألم” في الحالة الأولى و”الندم” في الحالة الثانية، وكلّ الموضوع لا يتعدّى القلب الموجوع؛ لأن أحدهم قد سرق قلبًا، وهناك من أحرقَ عمرًا، ومنهم من زرع خيبة ومضى، وهناك أيضًا من أحسنتَ له دهرًا وأسأتَ له يومًا فنسي الدهر وتذكّر اليوم، كيف لا وهكذا هي الحياة، مليئة في القلوب المكسورة، فلا توجعوها أكثر وتخسروها؛ وإنما اجبروها، واعلموا جيدًا أن القلوب التي تعتمد على البشر دائمًا (تئنّ) أما القلوب التي تعتمد على الله حتمًا ستطمئنّ..
صاحب القلب المكسور رجلًا كان أم امرأة يكمن في كلمات “نزار قباني” عندما قال (وتشابهت كلّ البلاد، فلا أرى نفسي هناك ولا أرى نفسي هنا، وإني أقول الشعر لأعرف من أنا)،، وعلى خطى شاعرنا الفخم نزار قباني في هذا المقال سنبقى نخطّ كلماتنا لنجبر تلك القلوب المكسورة، وما أكثرها اليوم..
دومًا وأبدًا في مثل هذه المواضيع سيكون لنا حديثًا آخر وكمشة حكي أخرى وبقية… دمتم….
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found