من الطبيعي وجود الصراعات والخلافات بين الزوجين، فهي مؤشر على علاقة صحيّة بينهما، لكن صحتها (مشروطة) بتوفّر الآليات الصحيحة لدى الطرفين لحلّها، وعندما تكون وسيلة لتقارب وجهات النظر (فقط).
وتُوصف تلك الصراعات بغير الصحيّة والخطرة كذلك وقد تشي بخلل عميق في العلاقة وتؤذن بخرابها عندما تغدو وسيلة لشحن (مشاعر العداء) بينهما وزيادة فجوة الخلاف، وبالتالي تقود إلى تباعد المسافة بين الطرفين وأكثر.
لا تستغربوا أبدًا عندما نقول أن الخلافات بين الشريكين تُعتبر أحد الوسائل لتقوية العلاقة بينهما مع تقادم الوقت، يعود السبب لذلك بأنها – أي الخلافات – تُتيح الفرصة لكل مِنهما من التعبير عن الأفكار والمشاعر والرغبات المكبوتة، كما تُتيح لهما معرفة حدود الطرف الآخر وعدم تجاوزها، ثم معرفة طباع الآخر أكثر فأكثر.
الأمر الذي يفتح المجال واسعًا أمامهما لإحلال عملية (التجاذب) مكان عملية (التنافر) وزيادة عمق العلاقة ومتانتها وديمومتها في حال تمكّن الزوجان من إدارة الصراع وحلّ الخلافات المتجددة بسلام وبأقل خسائر عاطفية ممكنة.
هذا هو الشرط الوحيد لقبول وجود الخلافات والصراعات بين الزوجين، لأنه يقود مع الزمن إلى تلاشيها على مدى طولي، فهي إما أن تُضيف نكهة لذيذة للحياة أو ربما قبيحة ومُرّة جدًا.
إن تعلّم السير الآمن في طريق الخلافات الوعرة وتنظيم المرور فيها بأقل تكلفة يجعل العلاقة الزوجية أكثر حبًا وسعادة، لعلّ (المرونة) بين الطرفين والإيمان بالآخر وصداقته تعتبر أُسس حل الصراعات وفن إدارتها.
فالمرونة تُحفّز عملية التنازل ومبدأ الحلول الوسط بينهما، أما الإيمان بالآخر يساعد الزوجين على شقّ طريق الصعاب ومنع التفكير في فكّ الارتباط عندما تصبح الخلافات عصيبة، وهنا تقمع العلاقة المتينة بينهما ذلك الشعور المؤلم بأن الآخر يُكافئ (العدو) عند التصارع، وتُجنّبهما الدخول في (ساحة معركة) وكأنهما فرسي رهان يتوجب فيها أن يكون أحدهما منتصرًا والآخر مهزومًا.
العلاقة الأصيلة غير المُغرِضة، المليئة بالتفاهم والاحتواء، والقائمة على أُسس صحيحة بين الشريكين تُقلّل من نوبات الغضب والأنانية واللوم والانتقاد، والأهم أنها تُقلّل من الدفاعات النفسية المؤذية التي يتم إسقاطها على الطرف الآخر بفجاجة.
التفكير قبل الحديث تعتبر أكثر النصائح شيوعًا وأصعبها تنفيذًا، ويمكن التغلب على صعوبتها بالممارسة والتدريب على ضبط تدافع زخم الأفكار وإبطائها وقت (ردّ الفعل) في حالة الغضب، فيجب فهمها جيدًا قبل التفوّه بالخاطىء منها.
صحيح أن ذلك يتطلب مجهودًا كبيرًا ولكن مع حصاد النتائج الإيجابية المُتراكمة في كل خلاف وتقليل الآثار السلبية يجعل (ضبط) الأفكار الجارحة وعدم تشريح الطرف الآخر لفظيًا وعدم تعنيفه جسديًا نمطًا سلوكيًا مريحًا جدًا وصحيًا في ذات الوقت.
وهذا بالطبع يُقلّل من الندم بعد انتهاء الاشتباك ويُخفّف من الحقد بين الطرفين لاحقًا، كما يُقلّل أيضًا من أنماط التكيّف السلبية؛ كالانسحاب أثناء الصراع ووقت المشاحنات والخلافات بطريقة مُستفزة، أو الاستمرار باللوم والعِتاب والاتهام، أو حتى الإذعان الطوعي أو القهري – فلا فرق – من قِبل أحد الشريكين لاختصار المشكلة ولكن دون قناعة.
في بعض الأحيان يكون استمرار الخلاف والتشاحن بشأن أمور صغيرة مؤشرًا لوجود مشاكل جوهرية كبيرة لا يتم تعريفها ومواجهتها بشكل مناسب، مما يجعل الجوّ المشحون غير المريح هو النمط السائد في العلاقة.
ويؤدي استمرار هذا الأمر إلى استفحال الأزمة بينهما والتي قد تصل في نهاية الأمر إلى طريق مسدود في حال تكرار اللحظات الانفجارية المُهينة والجارحة، وربما يكون فتيل الانفجار في كل مرة (سخيفًا) بوجهة نظر كل مِنهما أو حتى أحدهما، ولكنه يخفي في طياته تراكمًا لقضايا ومشاكل جوهرية (غير محلولة) فأضحت مُزمنة وقاتلة للأشياء الجميلة في العلاقة مع الوقت.
لذلك يجب مواجهة (السلوك الخاطىء) لا مواجهة (السمات الشخصية)؛ فالتعبير بطريقة لطيفة ولائقة للطرف الآخر عن الانزعاج من سلوك ما وطلب تغييره أو تعديله يعتبر أكثر قبولًا وأكثر تجاوبًا وأكثر سرعة كذلك في التغيير من (نعت) ووصم الطرف الآخر بصفات سيئة وانتقاد مواصفاته الشخصية بالهجوم.
فبدلًا من البوح مثلًا “أنت كسول” والكلمة الأكثر تداولًا في اللغة العامية (أنت نايط) يمكن طلب المساعدة أو إبداء الانزعاج من كثرة المسؤوليات وتزايد الضغوط من الطرف المضغوط.
من أهم الآليات لتجاوز الصراع المتعب هو معرفة الطريقة التي يهدأ بها الطرف الآخر أثناء وبعد أي خلاف وتقبّلها واحترامها؛ فلكل إنسان دفاعات نفسية وآليات معينة تجعل أفكاره أكثر وضوحًا، وتريحه من حدة الغضب، وتجعله أكثر أريحية في التعامل فيما بعد لمناقشة المشكلة وحلها.
فالبعض قد يلجأ لقيلولة مثلًا، أو المشي، أو ربما الانعزال في مكان مريح، أو الخروج من المنزل، وغيرها من ميكانيزمات الدفاع النفسي التي تختلف باختلاف الجنسين، ومن الواجب احترامها جدًا بعد الإعلان عنها وتعريفها للطرف الآخر تجنبًا لتفسيرها أنها حركة استفزازية أو (جكر).
إن الذهاب إلى النوم في حالة الغضب بعد أي شجار أو النوم في مكان آخر يعني الاستيقاظ بالمشاعر السلبية نفسها، ويعني أيضًا استمرار المشكلة وقتًا أكبر وتفاقمها.
صحيح أنه من الصعب أحيانًا كثيرة تجنّب التصرف بجفاء مع الطرف الآخر، ومن الصعب أيضًا إظهار العواطف في تلك اللحظات، إلاّ أن الاستمرار في النوم بالمكان نفسه والحفاظ على طقوس الحياة اليومية ذاتها مثل (صباح الخير أو تصبح على خير) سيُذهب الغضب ومشاعر العداء سريعًا، ويُمكّن الطرفان من معالجة المشكلة بوقت قصير، كما يُمكّنهما من اختيار معاركهما بعناية، وعدم تصعيد المشاكل البسيطة وإثارتها. والأهم يتعلّم كل مِنهما تجنّب الصراع أمام الآخرين عندما يُتقنان فن إدارة الصراع لوحدهما دون اللجوء لأطراف خارجية أجنداتها غير مضمونة.
الانتباه إلى إشارات المرور وقوانين السير قد يوصلك إلى مكانك المطلوب بشكل أبطأ ولكن حتمًا ستوصلك بالسلامة وتُقلّل من معدل الخطر، وهذا شأن السير تمامًا في خضمّ مشاكل الزواج والارتباط.
وحريٌّ بنا الآن بعد كل ما سبق ذكره هنا رفع هذا الشعار من كِلا الزوجين: (لا تسرع يا رفيقي نحن بانتظارك).. فنحن لا نُراهن على الكسب أو الخسارة لأننا لسنا في حلبة صراع، وإنما نُراهن على السلام بيننا وحل مشاكلنا بهدوء لنصل بطريق الحُبّ في كل زمان ومكان إلى برّ الأمان؛ فلا تسرع يا شريكي أنا بانتظارك.
لم ولن يخلص الكلام في هذا المقام، لذلك سيبقى دومًا للحديث من بقية… دمتم….
Block "%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%821" not found